تشهد تونس في السنوات الأخيرة ارتفاعاً متواصلاً في معدلات الطلاق أصبح يُعبّر أكثر عن هشاشة مؤسسة الزواج خاصة في سنواتها الأولى، وذلك وفق خبراء علم الاجتماع الذين حذروا من تأثير شبكات التواصل على تزييف العلاقات الاجتماعية والأسرية.
وتُشير آخر أرقام وزارة العدل المعلنة في بداية الشهر الجاري أن أحكام الطلاق الصادرة خلال السنة القضائية 2021-2022 وصلت إلى 14706 حكم طلاق.
وترجع ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع إلى عجز مؤسسة الزواج في أحيان كثيرة عن الصمود أمام الهزات التي تشهدها بسبب الصعوبات المالية والاجتماعية والنفسية أو إلى التحولات السلوكية لأحد الطرفين أو كليهما، فضلاً عن تأثيرات انتشار وسائل الاتصال الحديثة في العلاقات الاجتماعية مقابل تراجع دور العائلة الموسّعة في إصلاح ذات البين بين الزوجين.
25 بالمئة من المطلقين هم من المتزوجين حديثاً
وتؤكد دكتورة علم الاجتماع هادية بهلول في تصريحات لموقع «سكاي نيوز عربية» أن 25 بالمئة من حالات الطلاق في تونس تشمل المتزوجين حديثاً الذين لم يتجاوزوا بعد 3 سنوات زواج، وتفسر أسباب تفشي الظاهرة الاجتماعية بدوافع فردية وأخرى جماعية.
وتتعلق الأسباب الخاصة بالفرد بانتشار قيم الفردانية في المجتمعات الحديثة وتطور الوعي بالذات وبالحقوق وخروج المرأة للعمل واستقلاليتها الاقتصادية.
فيما تخص الأسباب المجتمعية الاضطرابات الاقتصادية والتذبذب الاجتماعي وتراجع تدخل العائلة في قرار الإبقاء على المؤسسة الزوجية، إلى جانب النقلة السوسيوثقافية التي شهدها المجتمع التونسي مع الانفتاح الواسع على التكنولوجيا.
وتوضح بهلول أن المشاكل الاقتصادية أفرغت الأسرة من العلاقات العاطفية ولكنها تبقى مجرد دوافع ظاهرة تغطي أسباب أخرى أكثر عمقاً مثل الاختلاف في الأفكار وفي المستويات الذاتية وفي المزاج وفي الموروث الثقافي المتغلغل في شخصية الرجل، الذي يبحث عن زوجة تشبه والدته في تضحياتها والمرأة التي تطلب من الرجل أن يتولى كل الواجبات الاقتصادية حتى وإن كانت تعمل، وذلك بفعل تأثيرات ما تلقوه من تنشئة اجتماعية.
وتُشير بهلول إلى أن الانغماس في التواصل عبر منصات التواصل الحديثة ساهم في تضرر العلاقات داخل الأسرة فضلاً عن غياب الحوار بين أفرادها وعدم حصول الزوجين على الإشباع العاطفي داخل الزواج بسبب عوامل خارجية تضعف مشاعر التعاطف وسلوك المشاركة.
وتُعتبر بهلول أن الطلاق هو اختيار وقرار فردي، لكن المجتمع في حاجة لدراسة الظاهرة وتحليلها للوقوف على أسبابها الظرفية المرتبطة بالتغيرات الاقتصادية والسياسية والدائمة المتعلقة بتطور المجتمعات الحديثة.
نتائج سلبية على الأطفال
تمس ظاهرة الطلاق في تونس بالأسرة التونسية كنواة للمجتمع وتحتاج للمعالجة القانونية والاجتماعية لأن عواقبها وخيمة على المجتمع وفق الدراسات الاجتماعية التي خلصت آخرها إلى أن 2460 طفل مهدداً بسبب الطلاق.
وحذّر رئيس جمعية أطفال تونس رفيق نور بن كيلاني من ارتفاع حالات الطلاق، مشيراً إلى أن آلاف الأطفال يُعانون من التفكك الأسري جراءه، كما تم تسجيل 104 محاولات انتحار في صفوف الأطفال، وآلاف المنقطعين عن الدراسة بسبب التفكّك الأسري في عام 2023.
ودعا بن كيلاني إلى ضرورة سن تشريعات جديدة لحماية الأطفال من التفكك الأسري ودراسة الأسباب التي رفعت نسبة العنف والتوتر لدى الأطفال.
من جهتها، تفرق دكتورة علم الاجتماع بين نوعين من الطلاق أولهما الطلاق الجيد الذي يتم في كنف الاتفاق والاحترام ولا يقوم على الصراع ولا يخلف آثار كارثية على الأطفال والأزواج، وثانيهما الطلاق السيئ الذي يترك آثار كارثية على نفسية الزوجين وعلى حياة الأطفال مسبباً انقطاعهم المدرسي وفقدانهم لشعور الحماية والاعتراف.
وتُضيف أن الأبحاث الاجتماعية أثبتت أن الأطفال يتأثرون بالطلاق في كل أشكاله، حيث يفضل الطفل طبيعياً أن يعيش مع الأبوين رغم رضا الزوجين بالانفصال، كما أنه يُمثّل عامل تفقير لكلا الزوجين وتدني لمستواهما المعيشي.
وتُشير بهلول إلى أن أبرز الحلول المطلوبة في مواجهة ظاهرة الطلاق تتعلق بإعادة تقسيم أدوار الرعاية في المنزل واعتماد الحوار والتشارك والبحث عن التوافق الفكري والعاطفي عند اختيار الشريك لأنه دافع مهم لتحدي الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
يُذكر أن وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في تونس تعمل على دعم وحماية مؤسسة الزواج بإعلانها وضع استراتيجيّة ثانية لتطوير قطاع الأسرة في أفق عام 2035.
وترصد سنوياً المؤشرات المعبرة عن الخلل داخل الأسرة وقد تلقّت في 2022 22690 إشعاراً يهم الأطفال 13465 منهم يعيشون تهديداً في الفضاء الخاص أي داخل البيت.