مع احتدام الخلاف بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بشأن وضع تصور لمستقبل الأزمة التي تهدد باندلاع صراع إقليمي واسع، سحب الاحتلال بعض قواته من غزة، في إطار التحول إلى عمليات أكثر استهدافاً ضد حركة حماس، وأعاد قدراً من الاحتياط إلى الحياة المدنية لمساعدة الاقتصاد المنهك من الحرب التي قد تستمر فترة طويلة.
وأفاد مسؤول إسرائيلي بأن الحرب الانتقامية ستستمر في القطاع حتى القضاء على «حماس»، مضيفاً أن بعض القوات المنسحبة ستستعد لجبهة ثانية محتملة مع «حزب الله» في لبنان.
وأضاف المسؤول أن الجيش الإسرائيلي يتجه صوب المرحلة الثالثة من الحرب بعد اجتياح الدبابات والقوات في الوقت الراهن لجزء كبير من غزة، وتأكيد سيطرته إلى حد كبير، رغم استمرار الفلسطينيين في نصب الكمائن من الأنفاق والمخابئ المخفية.
وقال المسؤول: «سيستغرق ذلك سنة أو 6 أشهر على الأقل، وسيتضمن عمليات تطهير مكثفة ضد الإرهابيين. لا أحد يتحدث عن إطلاق حمام السلام من الشجاعية»، في إشارة إلى معقل لـ«حماس» في شمال غزة دمرها القتال.
جبهة لبنان
وبين المسؤول أن السحب الجزئي ركز على جنود الاحتياط بهدف «إعادة تنشيط الاقتصاد» المنهك، وبعض القوات التي انسحبت من غزة في الجنوب ستكون مستعدة للخدمة على الحدود الشمالية مع لبنان.
وأضاف: «لن يُسمح للوضع على الجبهة اللبنانية بالاستمرار. إن فترة الأشهر الـ6 القادمة هي لحظة حرجة»، مضيفاً أن الدولة اليهودية ستنقل رسالة مماثلة إلى المبعوث الأميركي الذي يقوم برحلات مكوكية إلى بيروت، بهدف الضغط من أجل أن يتراجع الحزب المدعوم من إيران عن الحدود مع إسرائيل لتفادي حرب شاملة تلوح في الأفق.
وعبأت إسرائيل 300 ألف جندي احتياطي للحرب، أي ما يتراوح بين نحو 10 في المئة إلى 15 في المئة من قوتها العاملة. وتم تسريح البعض بسرعة، لكن مصادر حكومية قالت إن ما بين 200 ألف و250 ألف شخص مازالوا يؤدون الخدمة العسكرية، ويتغيبون عن الوظائف أو الجامعات.
قصف وضحايا
ميدانياً، واصل الاحتلال حربه الوحشية على القطاع لليوم الـ87 مخلفاً آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى ومئات الآلاف من النازحين، وسط تفاقم الأزمة الإنسانية بفعل شحّ المواد الطبية والمساعدات الغذائية.
في المقابل، استقبلت «كتائب القسام» 2024 بقصف تل أبيب وضواحيها بوابل من الصواريخ من طراز «M90». ونقل موقع «واي نت» الإسرائيلي، عن مسؤولي دفاع كبار قولهم إنهم يعتقدون أن لدى «حماس» مخزوناً وقدرة على الاستمرار في إطلاق الصواريخ لعامين أو ثلاثة. وأضاف الموقع أن إسرائيل بدأت إعداد ملاجئ وحواجز إضافية؛ لحماية منطقة الحدود مع غزة.
من جانب آخر، أظهرت صور جوية اكتظاظ مدينة رفح الفلسطينية، قرب الحدود بين مصر وقطاع غزة، بخيام النازحين من شتى مناطق القطاع المعزول عن الضفة الغربية المحتلة.
وتشكل رفح الوجهة الجديدة والأخيرة لرحلة النزوح من القطاع التي بدأت من شماله إلى وسطه ثم إلى خانيونس في الجنوب، وأخيراً إلى أقصى الجنوب، فيما حذر مسؤول في رفح من «كارثة وشيكة» مع حلول فصل الشتاء وهطول الأمطار.
وفي آخر إحصائية صادرة عن السلطات المحلية في غزة، أدى العدوان الإسرائيلي إلى مقتل 21822 فلسطينيًّا، وإصابة 56451 آخرين، أغلبهم من الأطفال والنساء، إضافة لآلاف المفقودين.
سحب وقلق
على الصعيد الدولي، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن احتدام التوتر بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.
وذكرت أن المحادثات بين الجانبين خلال الأسابيع الأخيرة باتت أكثر حدة، بعد مقال نشره نتنياهو أخيراً، ووصف فيه تخطيط واشنطن لإعادة السيطرة في القطاع عقب انتهاء الحرب إلى سلطة الرئيس محمود عباس حالياً بـ«الوهمية» ورفضه لمناقشة «حل الدولتين».
وتزامن ذلك مع كشف مسؤول أميركي أن حاملة الطائرات «جيرالد فورد» والسفن السطحية الأخرى، التي تم توجيهها إلى شرق البحر المتوسط لردع «حزب الله»، «ستُغادر المنطقة في الأيام المقبلة إلى ميناء نورفولك بفيرجينيا»، ما أثار مخاوف إسرائيلية عميقة.
جدار الأردن
في سياق قريب، تنتاب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مخاوف كبيرة من إمكانية قيام عناصر من «حزب الله» أو الميليشيات الأخرى الموالية لإيران، بالتسلل إلى مستوطنات إسرائيلية عبر الحدود الأردنية.
وأكدت أوساط عبرية أمس أن تلك المخاوف دفعت المؤسسة العسكرية للتفكير في بناء سياج أمني جديد بامتداد الحدود الطويلة بين الجانبين، على أن يتضمن وسائل تكنولوجية حديثة للمراقبة.
جاء ذلك في وقت حذر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي من أن 2024 سيكون «عام الموت»، ما لم يتم «إجهاض أجندة نتنياهو لإبقاء غزة مشتعلة، وإشعال الضفة الغربية، ولبنان، لجر الغرب إلى الحرب، وإنقاذ حياته المهنية».
بن غفير يقود حملة لتجويع الأسرى
يعتقد وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف، إيتمار بن غفير، أن تجويع الأسرى الفلسطينيين هو الرد على مزاعم «معاناة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس من الجوع».
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن القضية تأتي ضمن فصل جديد من الأزمة بين الوزير وبين مفوضة مصلحة السجون كاتي بيري، التي انتهت ولايتها ورفض التجديد لها، مبينة أن بن غفير يسعى إلى تغيير جذري في قوائم طعام من أسماهم «أسرى النخبة»، بحيث تتم إزالة كل أنواع اللحوم منها.
وصرَّح بن غفير، عقب شهادات أسيرات محررات تحدثن عن «تجويعهن»، على عكس أغلبية الأسيرات الأخريات، أنه صُدِم حين سمع من مفوضة مصلحة السجون المنتهية ولايتها عن طبيعة الطعام المقدم للمعتقلين الفلسطينيين والأسرى الأمنيين.