بعد أن كشف الاحتلال عن خطط لسحب بعض القوات البرية المتوغلة في غزة، بهدف انعاش الاقتصاد وتفادي صدمة مالية كبيرة، كثف الجيش الإسرائيلي الضربات عن بعد بواسطة الطائرات والدبابات على مناطق القطاع الفلسطيني المحاصر أمس.
ونقلت وكالة «رويترز» عن سكان من غزة قولهم، إن الطائرات والدبابات الإسرائيلية كثفت الضربات في المناطق الشرقية والشمالية من خان يونس جنوبي القطاع، وسط حديث عن إعادة تموضع وانتشار لبعض القوات البرية في مدينة غزة مركز القطاع الذي يحمل الاسم نفسه.
وذكر سكان في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، شمالي القطاع، حيث تَركز الهجوم الإسرائيلي في البداية، أن الدبابات انسحبت بعدما وصفوها بأنها أعنف 10 أيام من الحرب منذ بدء الصراع في السابع من أكتوبر الماضي.
وأمس، زعم جيش الاحتلال أنه قضى على «عشرات الإرهابيين» خلال اليوم الماضي، فيما تسبب القصف الإسرائيلي على مناطق وسط القطاع بمقتل 70 مدنياً وإصابة العشرات.
كما قال الجيش الإسرائيلي الذي يستعد لمرحلة قتالية يقول إنها ستمتد أشهراً، وتركز على أهداف محددة بهدف القضاء على «حماس» إنه سيطر على معقل الاستخبارات والسيطرة التابع للحركة الإسلامية في مدينة غزة.
ولاحقاً، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت أن «الفترة المقبلة ستشهد عمليات من نوع مختلف في القطاع».
في المقابل، أظهرت «حماس» أنها لاتزال قادرة على استهداف المناطق الإسرائيلية بعد أكثر من 12 أسبوعاً من بدء الحرب، إذ أطلقت وابلاً من الصواريخ على تل أبيب.
وأعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لـ«حماس»، استهدافها 26 آلية إسرائيلية في 48 ساعة في حيي الدرج والتفاح في غزة.
تخلٍّ ومخطط
وفي وقت يواصل الوسطاء الدوليون جهودهم سعياً إلى وقف جديد للقتال، كشفت مصادر فلسطينية مطلعة على مباحثات تبادل الأسرى بين «حماس» وإسرائيل، أن الحركة تخلت عن شرط الوقف الدائم لإطلاق النار، على أن تُفرج عن نحو 40 محتجزاً إسرائيلياً، مقابل وقف إطلاق النار لمدة تزيد على شهر، وتصل إلى 40 يوماً، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.
وتريد «حماس» في المقابل الإفراج عن عدد يتم الاتفاق عليه من الأسرى الفلسطينيين، وعودة المواطنين النازحين من جنوب القطاع إلى الشمال، وزيادة وتيرة إدخال المساعدات كخطوط عامة للموافقة.
وأوضحت المصادر أن الحركة الفلسطينية أبلغت الوسطاء القطريين والمصريين بموقفها هذا، فيما نقلت الأطراف رد «حماس» إلى الدولة العبرية التي كشف موقع «واللا» العبري أن مجلس الحرب رفضه.
في غضون ذلك، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد يسرئيل كاتس بالقول: «هدفنا الأعلى سيكون استعادة المحتجزين من غزة»، فيما نقل موقع «اكسيوس» عن مسؤولين إسرائيليين ومصدر مطلع أن «حماس» اقترحت مبادرة من 3 مراحل تتضمن كل واحدة منها هدنة تمتد إلى شهر على أن يتم إطلاق سراح عدد من الأسرى، من أجل وقف الحرب ونقلتها للوسيط القطري والمصري.
من جانب آخر، كشفت قناة عبرية رسمية، ما قالت إنها خطة الجيش الإسرائيلي لما بعد الحرب في غزة، والتي «تتضمن تقسيم القطاع إلى مناطق تحكمها العشائر العربية، وتتولى مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية».
وغداة تأكيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمام «الكنيست» أنه «لا جدوى من الحديث عن السلطة الفلسطينية كجزء من إدارة غزة، طالما أنها لم تخضع لعملية تغيير جوهرية»، دعا زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد إلى فك الارتباط عبر نوع من التفاهم يقضي ببناء «حزام دعم» مع دول عربية معتدلة بمساعدة الولايات المتحدة لإدارة القطاع والاستعانة بالبنية التحتية للسلطة الفلسطينية التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، والتي لا ترتبط بـ«حماس».
محاكمة ومثول
من جهة ثانية، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، بأن حكومة الاحتلال قررت المثول أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، في أعقاب الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا، وتتهمها فيها بعمليات إبادة جماعية، كما تطالب بوقف الحرب على غزة.
وقال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، حول «الخطوة الاستثنائية»، إن «إسرائيل وقّعت على الوثيقة ضد الإبادة الجماعية منذ عشرات السنوات وبالتأكيد لن نقاطع الجلسة. سنمثل فيها وسنتصدّى للدعوى العبثية التي تشكّل مؤامرة دموية».
وقال هنغبي: «لقد عانى الشعب اليهودي أكثر من أي أمّة أخرى جراء الإبادة الجماعية. لقد ذُبح ستة ملايين من شعبنا بوحشية لا متناهية، وتم استخدام وحشية مشابهة ضد مواطني إسرائيل في مذبحة 7 أكتوبر. لكن المختلف هذه المرة أن بمقدورنا الدفاع عن أنفسنا أمام من يريدون إبادتنا. إن الادعاء الذي لا أساس له ضد حق الضحية في الدفاع عن نفسها، هو وصمة عار، ونتوقع من جميع الدول المتحضّرة التماهي مع موقفنا هذا».
وأشارت الصحيفة إلى أن المناقشات في الدعوى نفسها قد تستمر ما بين أربع و6 سنوات، وأن الجهد الإسرائيلي الحالي يهدف إلى إجهاض صدور أمر مرحلي يفرض على إسرائيل وقف إطلاق النار.
واتهمت جنوب إفريقيا في طلبها الذي قدمته لمحكمة العدل الدولية لإقامة دعوى ضد إسرائيل، بـ«إبادة شعب وانتهاك ميثاق الأمم المتحدة ضد الإبادة الجماعية»، وفق ما أعلنته المحكمة يوم الجمعة الماضي.
وسبق قرار المثول أمام المحكمة نقاشات مكثّفة في إسرائيل، بعضها بمشاركة نتنياهو. وأقيمت عدة جلسات في الأيام الأخيرة، للتباحث في كيفية التعامل مع القضية، في جيش الاحتلال، ووزارة الخارجية، ومجلس الأمن القومي، ووزارة القضاء.
كما ستلجأ إسرائيل إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية من أجل تجنيد دول ضد جنوب إفريقيا، وضد الخطوة التي تقوم بها في إطار الدعوى.
ضحايا الضفة
في غضون ذلك، تواصل نزيف الدم الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، إذ قال الجيش الإسرائيلي إن جنوده قتلوا 5 مسلحين في تبادل لإطلاق النار بقرية عزون وبلدة قلقيلية، فيما أصيب جندي إسرائيلي في الاشتباك.
في سياق آخر، كشفت معطيات «الوكالة اليهودية لأجل إسرائيل» عن وصول 3 آلاف مهاجر يهودي جديد، بمن فيهم شباب وشابات، من أنحاء العالم إلى الدولة العبرية منذ بداية الحرب. وأرجعت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإقبال على الهجرة إلى تغير الأوضاع في العالم وموجات معاداة السامية.
إلى ذلك، ألقت السلطات التركية القبض على 33 شخصاً للاشتباه في ضلوعهم في أنشطة تجسس لمصلحة جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، الذي تعهد في وقت سابق بملاحقة كوادر «حماس» بالخارج.
المحكمة العليا تسدد ضربة إلى نتنياهو
سددت المحكمة العليا الإسرائيلية ضربة لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في خضم حرب غزة، عبر إبطال بند رئيسي في قانون مثير للجدل يهدف إلى إضعاف وإخضاع السلطة القضائية لهيمنة التيارات السياسية، والذي تروج له حكومته اليمينية المتطرفة.
وذكرت وزارة العدل، في بيان، أن ثمانية من قضاة المحكمة العليا الخمسة عشر صوتوا لمصلحة إبطال البند الذي يشكل تحدياً لسلطات كبار القضاة في البلاد، وأثار احتجاجات شعبية حاشدة.
وفي رد فعله على الخطوة، اتهم وزير العدل بالائتلاف الحاكم ياريف ليفين المحكمة العليا بـ«الاستيلاء على جميع السلطات». وزعم رئيس الكنيست أمير أوحانا أن المحكمة العليا لا تملك صلاحية إبطال «قانون أساسي».
كما حذر حزب «شاس» الحريدي من أن القرار غير المسبوق الذي أصدرته المحكمة العليا بإلغاء قانون أساس يسنه «الكنيست»، بأغلبية صوت واحد، يضعف المجهود الحربي ويعيد الشرخ الاجتماعي، مشيراً إلى أن المحكمة أصرت على نشر حكمها رغم جهوده لتأخير الخطوة التي رأى أنها «تضر بمكانة البرلمان وثقة الجمهور في جهاز القضاء».
وعشية الحكم، الذي أيده زعيم المعارضة يائير لابيد، قال المتحدث باسم الجيش الكولونيل دانييل هاغاري: «إن الخلاف بين الشعب كان أحد أسباب المذبحة التي نفذتها حماس»، في إشارة إلى هجوم «طوفان الأقصى».
وينص البند المعدل، الذي أبطلته المحكمة، على حرمان السلطة القضائية من الحق في الحكم على «معقولية» قرارات الحكومة أو البرلمان.