وجهة نظر القيود الائتمانية على الأفراد... وإعاقة نمو ممكن
في ظل التحديات التي تواجهها اقتصاديات العالم، بما فيها الكويت، فيما يتعلق بالنمو نتيجة للسياسات النقدية المتشددة والتوقعات باستمرارها إلى منتصف عام 2024، يتبادر إلى الذهن موضوع القيود الائتمانية على الموظفين والمتقاعدين، كسياسة ائتمانية تستحق النقاش، خصوصا أنه مضى عليها ما يقارب 15 عاما دونما أي مراجعة من قبل البنك المركزي.
في البداية نذكر القارئ الكريم بأنه في بداية الألفية كانت هنالك موجة انتقادات حادة طالت البنوك المحلية فيما يتعلق بآلية منح قروض للأفراد وأيضا آلية احتسابها، وبالتحديد من قبل البنوك التقليدية، وصل سقفها إلى المطالبة بإسقاط القروض عن كل المواطنين استندت في ذلك إلى اتهامات لتلك البنوك باستغلال حاجة الأفراد بطريقة أو بأخرى. نتيجة لذلك، صدرت عدة تعاميم من قبل البنك المركزي تقيد السقف الائتماني للعملاء كان أحدها التعميم الصادر في عام 2008، والمعمول به حتى الآن، والذي يلزم البنوك بألا تتجاوز الحالة الائتمانية للموظف 40% و30% للمتقاعد، لذا يهمنا في هذا المقال التطرق إلى آثارها السلبية على الأفراد وعلى الاقتصاد من خلال نظرة أكثر شمولية.
مما لا شك فيه أن مسؤولية الدولة من ناحية اقتصادية هي توفير بيئة مناسبة تعزز النمو الاقتصادي بما ينعكس على الحالة المعيشية للمواطن دونما الإخلال بالاستقرار المالي والاقتصادي للدولة، من خلال قوانين ولوائح تنظيمية متوازنة تحفظ حقوق كل الأطراف المنخرطة في النشاط الاقتصادي من أفراد ومؤسسات بما يتماشى مع ما تلتزم به الدول من اتفاقيات دولية كاتفاقية التجارة الحرة وخلافها. كذلك من أهداف البنك المركزي الرئيسية «العمل على توجيه سياسة الائتمان بما يساعد على التقدم الاقتصادي والاجتماعي وزيادة الدخل القومي».
وفقا لذلك، نعتقد أن المبالغة في مثل هذه القيود يعد تدخلا مفرطا في صميم عمل البنك وكيفية إدارته أو اتخاذه لقرارات تمويل عملائه، فمن المعلوم أن كل مؤسسة بما فيها البنوك لديها لجان وإدارات مختصة تتعلق بالمخاطر والتدقيق مسؤوليتها تقييم حالة كل عميل والملاءة المالية للبنك، بما يتوافق مع لوائح ونظم البنك المركزي. كذلك يجب ألا نغفل أن تقييم الحالة الائتمانية للعميل قد أصبح أكثر دقة عن السابق، من خلال وجود شبكة معلومات توفر كل المعلومات عن التسهيلات الائتمانية القائمة للعميل. أيضا العميل له دور، فمتى ما كان كامل الأهلية بحسب القانون فإنه من الواجب عليه تحمله لمسؤولية قراراته.
فمن غير المنطقي أن يقيد البنك والنشاط الاقتصادي بسبب تهور أو سوء إدارة مالية للبعض. كذلك من الخطأ أن يفترض القانون أن استشعار المسؤولية في اتخاذ قرار مالي للأفراد هي بذات الدرجة، خصوصا من حيث اعتبار العمر والالتزامات الشخصية. علاوة على ذلك وهو أمر جدير بالذكر، أن القطاع المصرفي شهد في نهاية الربع الثالث للعام الحالي نسبة صافي القروض غير المنتظمة إلى إجمالي القروض مقدارها 1.1%، كما سجل هامش تغطية القروض غير المنتظمة ما نسبته 266% في نهاية الربع الثالث للعام الحالي.
بناء على جميع ما ذكرنا أعلاه، وتجنبا للآثار السلبية لهذا التعميم وهي كالتالي:
1. خسارة نمو ممكن للنشاط الاقتصادي للأفراد والبنوك يؤثر بالتالي على النمو الإجمالي للدولة.
2. سوق ائتمانية سوداء تؤثر على تكلفة الاقتراض وبالتالي قد تؤدي إلى تضخم.
3. عدم مراعاة المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية.
4. تقييد القرار الائتماني للبنك بناء على افتراضات عامة وغير منطقية.
ندعو إلى إعادة النظر في هذا التعميم لرفع السقف الائتماني من أجل تعزيز النمو، خصوصا أن «المركزي» بالغ في رفع الفائدة بتبريرات تتعلق بالحفاظ على استقرار العملة، علما أن الكويت الوحيدة خليجيا التي تتبع نظام سعر صرف «سلة عملات»، والسؤال هنا ما الفائدة من هذا الاختلاف عن باقي دول الخليج إن لم يجعلنا هذا النظام أكثر مرونة في سياساتنا النقدية من أجل مصلحة اقتصادنا المحلي؟
أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث – المملكة المتحدة