لامس سمو الأمير، حفظه الله، مَواطن تصحيح المسار في شؤون البلد السياسية والتنفيذية والبرلمانية، حينما خصّ سموه ملفات الهوية الوطنية وخطورة العبث الذي تعرّضت له الجنسية، وكذلك ملف العفو الذي خُلطت فيه الأوراق، وتم فيه تجاوز كل الضوابط والشروط، وكذلك تجاوز السلطتين حدودهما الدستورية، وهو ما أفضى إلى تداخل أعمال السلطتين، بالمخالفة لصريح الدستور، والتدافع البرلماني لتشريعات لا تتوخّى المصلحة الوطنية، وإنما تكسّبات انتخابية، ومنها قانون رد الاعتبار وما شابه من مثالب دستورية وقانونية (وقد تم ردّه بمرسوم من سمو الأمير والحكومة، تطبيقاً للمادتين 65 و66 من الدستور)، إضافة إلى تشريعات أخرى اتسمت بالارتجال وحجب رقابة القضاء وانتقاص صلاحياته، بما يستوجب تعديل مسارها جميعاً حفاظاً على الدستور وحدوده وضوابطه.

وهي ملفات كانت، ولا تزال، تقضّ مضاجع أهل الكويت، وتجعلهم يقفون على قلب رجل واحد مناشدين سموه حسمها، فجاءت مبادرة سموه في نطقه السامي تزامناً مع تولّيه مسند الإمارة وأداء يمينها الدستورية مناسبة مواتية، حيث أوضح سموه توجّهاته بشأنها، ليجدد عهداً مع أهل الكويت، ويؤكد تمسكه بعقدٍ سُطِّر بدستور 1962.

Ad

وقد جاء تقديم سموه لملف الهوية الوطنية على ما سواه، وإشارته الصريحة إلى ما لحقه من عبث بالجنسية الكويتية، والتي كانت في مرحلة ما مدخلاً لكسب الولاءات والتحالفات، ثم أصبحت وسيلة للتكسّب الانتخابي والسياسي بمنحها لمَن لا يستحق، ثم وسيلة للتكسب المالي والمصلحي بشكل أضرّ الهوية الوطنية وجلب لها ويلات أفضت إلى تزايد مخيف غير منطقي بعدد المواطنين، بما يؤكد تعرّض ملف الجنسية للتزوير وتغيير البيانات والادّعاء والازدواج، فتضاعفت المخاطر على الهوية الوطنية والعبث بها، وهو ما كشفه توالي العديد من الأحكام القضائية بهذا الملف السيادي، ولعل عرض بعض البيانات الإحصائية يكشف تفاصيل ذلك وخطورته.

وتظهر هذه الأرقام أن عدد الناخبين حتى 1992 كان 81 ألفاً، ثم ارتفع في سنة 1996 وبلغ 107 آلاف، وقد كان معدل النمو السنوي منذ عام 1963 هو 2419 على مدى 29 عاماً، ليصل المعدل كل أربع سنوات (الفترة بين الانتخابات) إلى 9676 ناخباً، ولو أخذ معدل الزيادة أساساً للحسبة فالمفترض في 2023 أن عدد الناخبين أصبح 156.423، والضعف مع النساء ليبلغ 336.910 ناخبين في أعلى عدد للناخبين من الجنسية الأصلية، بينما أقل عدد هو 226.574، وذلك وفقا للنمو السنوي الطبيعي البالغ 2419 على مدى 60 سنة (منذ 1963 حتى 2023) والفارق بين الرقمين الأعلى والأقل هو 110.336، وهو يمثل من حصل على تغيير نوع جنسيته من الثانية للأولى بقرار سياسي عبثي أو بتزوير فئة الجنسية، وهو الأخطر.

وهذا كله قبل بداية دخول المتجنسين، حيث بلغ العدد الإجمالي للناخبين 797000، فإذا خُصم منه العدد الأعلى للجنسية الأولى، وهو 336.910 فسيكون الناتج 460.090 بنسبة 57.7 في المئة، وهم الناخبون المتجنسون، وإذا أخذنا إحصائياً نسبة خطأ في حدود الـ 5 في المئة، فإن العدد يصبح 437.085، بالنمو الإضافي الذي يعكس المتجنسين، وهو يشكّل نحو 54.8 في المئة تقريباً!

فهل يُعقل أو يُقبل أن تتغير ديموغرافية الشعب السياسية لتكون الأغلبية بيد المتجنسين لا أبناء الكويت الأساسيين؟! وهي حالة فريدة لا تكاد تكون إلا في الكويت، الأمر الذي يستوجب معالجة سريعة لإعادة الأمور إلى نصابها في ملف الهوية الوطنية، والتي هي مسألة سيادية لا يجوز التهاون بها، بل بُني الدستور الكويتي على أساسها في المادة الأولى منه، وكل المواد التي تقرر المواطنة وحمايتها والذود عنها، وجاء القانون رقم 44 لسنة 1994، والذي نشرنا دراسات علمية تفصيلية حول عدم دستوريته، ليضيف مخاطر أكثر إلحاحاً وتهديداً للهوية الوطنية.

ولذا، فإننا نحمد الله أن هيّأ للكويت مَن يقود تصحيح هذا المسار، ونتوجه لسمو الأمير بالشكر والتقدير لفتح سموه ملف الهوية الوطنية، ليتم حسمه وغربلته، بما يحقق حماية الوطن والذود عن مصالحه وصون هويته الوطنية، وفقاً للتطبيق السليم للدستور والقانون، بعيداً عن كل الاعتبارات التي شوّهت الهوية الوطنية وعبثت بملف الجنسية خروجاً على كل ذلك، ولتكون بداية ذلك بتصحيح مسار هيئة الناخبين بإجراءات ومسارات قانونية محددة ومنضبطة.