حتى قبيل أحداث (الطوفان) الأخيرة في فلسطين المحتلة لا يمكن لأي عاقل إلا أن يصف الوضع البيئي بالكارثي، ومع استمرار العمليات الصهيونية على القطاع المحتل (غزة) المقدرة مساحته بـ365 كم مربعا فقط بأعلى كثافة سكانية، وتزايد الأنقاض وتتراكم النفايات ويعم الدمار على الإنسان والحيوان والنبات بالمستوى والميزان أنفسهما، ومع تزايد الأدلة التي تبين أن لدى الصهاينة القدرات العسكرية على القيام بعمليات قصف جوي دقيقة (لو شاءت) أشبه ما تكون بالقصف الجراحي العسكري Surgical Bombing فلا يسعنا إلا وصف عملياتهم في فلسطين بتلك البربرية المتعمدة للدمار الشامل بغرض القضاء على الإنسان والبيئة من حوله.
ومع تساقط أطنان المتفجرات المستمرة وتحذيرات سابقة لمركز الميزان لحقوق الإنسان عن الوضع البيئي في (غزة) منذ مطلع شهر يونيو الماضي، شدد المركز على أن معدل استهلاك الفرد الفلسطيني قد بلغ 82 لتراً من المياه يوميا، وهو دون الحد الأدنى العالمي، وبسبب القيود الصهيونية (مع نسب عالية جدا من التلوث في تلك المياه) التي تجعل حصة الفرد الواحد تنخفض وتصل إلى ما دون 21 لترا من المياه في اليوم الواحد!!
أي حال ضنك هذه التي يرتضيها العالم لأهل فلسطين؟ وأي إنسانية يتغنى بها الغرب ويتشدق وهو يتفرج على هذه الحالة للإنسان الفلسطيني أو بالأخص الغزاوي؟! فلا عجب أن ترى جودة المياه تجعل أرقام حالات إصابة السكان في القطاع بالإسهال في ازدياد، وصولا إلى 34 ألف حالة منذ منتصف أكتوبر بواقع 16 ضعف المعدل الاعتيادي لها بحسب مصادر صحيفة (الحرة).
ومع الأخذ بالاعتبار كل ما سلف يجب التوقف عند الدمار والتلوث الناجم عن سلاح الفسفور الأبيض المحرم والمجرم دوليا داخل المناطق المدنية، فقذائف الفسفور الأبيض سلاح صهيوني بامتياز، ثبت بالدليل القاطع استخدامه مؤخراً على مناطق في غزة (والشريط اللبناني) من قبل قوات جيش الاحتلال الصهيوني الغاشم، متفاعلا مع الأوكسجين في الجو بدرجات حرارة 30 مئوية مسببا حروقا وومخلفا جرحى وقتلى.
وللعلم فإن جسد الإنسان البالغ وإن أصيب بتلك المادة، لن يتعافى مدى الدهر منها، وإذا ما فاقت نسبة جراحه منها 10% فإنه يفارق الحياة، وقد استفاضت في الشرح مسبقا (م. لمى أبو عتيلة) أن مادة الفسفور الأبيض تصنع، والأصل في ذلك لأغراض التمويه العسكري كسلاح كيماوي كما ذكرت مصادر الـBBC، ولعل استخدام الصهاينة له بشكل عشوائي على حدود لبنان وميناء غزة يعلل رفضهم اتفاقية الأسلحة الكيماوية ومادتها الثانية التي تعرف السلاح الكيماوي من خلال سميته.
يبقى الفسفور الأبيض وآثاره ورواسبه على التربة لسنوات عدة، واستخدامه يعرض حياة الآلاف للخطر بسبب الدمار البيئي، كما يجب العلم بأن تأثيره على جودة المياه تأثير كبير، خصوصا أن أكثر من 90% من مياه فلسطين هي في الأصل مياه جوفية، تحوي نسبا عالية من الملوثات قبيل العمليات العسكرية الأخيرة.
ومع تزايد المتفجرات التي فاقت تلك المستخدمة على (أفغانستان) في عام كامل، فإن قذيفة واحدة تدمر الكائنات الحية بقطر يتجاوز 150م، أما الفسفور الأبيض إذا ما وصل الى البيئة البحرية فقد يبقى راسبا لعدة أيام دون أي تفاعل أو نشاط فيقضي على الأحياء، ويدمر البيئة المائية بكل بساطة ويسر، أضف إلى هذا كله عزيزي القارئ أن ضخ المياه غير المعالجة الى البحر وعجز الطاقة كلها تزيد الدمار البيئي على أهل القطاع وما يصاحبه هذا كله من دمار بيئي عليهم، علاوة على تدمير و(تمليح) مياه الشرب كذلك وخسارة 17% من البساتين و17% من الأراضي الزراعية وقرابة 10% من المراعي في القطاع قياسا بحرب 2008، والتسرب اللا محدود من المياه العادمة، فأين جودة المياه والسلامة البيئية في القطاع الآن بسبب العمليات العسكرية المتواصلة؟!