‏تسلّم سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، حفظه الله، إمارة البلاد بعد وفاة المغفور له الشيخ نواف الأحمد ‏مؤخراً، لتعيش البلاد مرحلة جديدة كانت معالمها بدأت تظهر في فترة إدارة سمو الشيخ مشعل للبلاد خلال ‏فترة مرض الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد، ليأتي خطاب سموه الأخير ليضع النقاط الواضحة لمعالم ‏السياسة الكويتية في العهد الجديد بشقيها الداخلي والخارجي.

أولاً: البعد الداخلي وسياسة الشفافية والحزم

تسلم صاحب السمو أمير البلاد الإمارة في مرحلة حساسة شهدت فيها البلاد تشكيل خمس حكومات خلال ‏سنة واحدة مع تنظيم ثلاثة انتخابات برلمانية في ثلاث سنوات، دون نسيان المواجهات المستمرة بين ‏البرلمان والحكومة ما عطل الحياة السياسية وزاد من تأزيم المشهد ليمنع التعثر السياسي إقرار ‏الإصلاحات الضرورية لتنويع الاقتصاد وتفاقم الوضع بسبب العجز المتكرر في الميزانية وتدني الاستثمار ‏الأجنبي.

Ad

وكان خطاب القسم واضحاً بوضع سياسة الشفافية مع القوة والحزم في خطاب تاريخي يؤسس لعهد رابع من ‏الحزم والعزم تدخله البلاد بعد العهود الثلاثة السابقة منذ تأسيس الإمارة لمرحلة مبارك الكبير وصولاً ‏إلى إقرار الدستور.

وبدأت المرحلة الأولى للكويت في عهد الشيخ صباح الأول، حيث سميت «مرحلة التأسيس»، أما المرحلة ‏الثانية فكانت في عهد الشيخ مبارك الكبير وتعتبر التحول لـ «الدولة الحديثة»، في حين بدأت المرحلة الثالثة ‏في عهد الشيخ عبدالله السالم «دولة الدستور»، وبعد خطاب سمو الشيخ مشعل الأحمد أمير البلاد ‏الذي ألقاه في خطاب القسم نستطيع أن نقول إن الكويت دخلت رسمياً في المرحلة التاريخية الرابعة.

ونبين أن هناك فرقاً بين «الإدارة الجديدة» التي تدل على وجود تحول بمن يدير الدولة مع نفس نمط ونهج ‏الإدارات السابقة، وبين «المرحلة التاريخية» التي تتمثل بنمط جديد في الحكم، مع تغير كبير في الطبقة السياسية ‏القديمة.

مرحلة جديدة قد بدأت:

ظهر جلياً في الخطاب الذي ذكّر بمآثر الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد، أن مرحلة جديدة قد بدأت في ‏البلاد، وأن خططها ارتسمت في ذهن سمو الأمير خلال فترة تسلمه لولاية العهد، ولكنه التزم بتعليمات ‏الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد، رحمه الله، طاعة لولي الأمر، حيث قال سموه:

«لم نخالف الأمير الراحل في القرارات والتعليمات التي أمر بها رغم عدم قناعتنا لأن طاعته من طاعة ‏الله»... ما يوحي بأن قرارات جديدة وسياسة مغايرة حازمة بدأ عهدها.

وقف القرارات السابقة والحفاظ على الهوية الكويتية:

أكد خطاب سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، أن الإرباك السابق في قرارات ومواقف ظهرت في المرحلة ‏الماضية جاء وقت وقفها وبدء مرحلة التغيير، لاسيما في ملفات الوظائف والمناصب وتعطيل الحياة ‏السياسية وما يمس الهوية الكويتية للبلاد.

وقال سموه في كلمة الخطاب:

«أكدنا في خطاباتنا السابقة أن هناك استحقاقات وطنية ينبغي القيام بها من قبل السلطتين التشريعية ‏والتنفيذية لصالح الوطن والمواطنين، وبالتالي لم نلمس أي تغيير أو تصحيح للمسار، بل وصل الأمر إلى ‏أبعد من ذلك، عندما تعاونت السلطتان التشريعية والتنفيذية واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد ‏والعباد، وما حصل من تعيينات ونقل في بعض الوظائف والمناصب والتي لا تتفق مع أبسط معايير العدالة ‏والإنصاف، وما حصل كذلك في ملف الجنسية من تغيير للهوية الكويتية، وما حصل في ملف العفو، وما ‏ترتب عليه من تداعيات، وما حصل من تسابق لملف رد الاعتبار لإقراره، لهو خير شاهد ودليل على مدى ‏الإضرار بمصالح البلاد ومكتسباتها الوطنية، وما يزيد من الحزن والألم سكوت أعضاء السلطتين التشريعية ‏والتنفيذية عن هذا العبث المبرمج لهذه الملفات وغيرها ما أسبغ عليها صفة الشرعية وكأن الأمر أصبح ‏بهذا السكوت يمثل صفقة تبادل المصالح والمنافع بين السلطتين على حساب مصالح الوطن والمواطنين».

ليقرر سموه قائلاً: «لهذا جاء قرارنا السيادي مكتوباً بوقف جزء من هذا العبث من خلال وقف قرارات ‏التعيين والترقية والنقل والندب لأجل مسمى، وسيتم إن شاء الله التعامل مع باقي الملفات الأخرى فيما بعد ‏بما يحقق مصالح البلاد العليا».

الأمير وبّخ الحكومة والبرلمان بسبب العبث المبرمج بمصالح الوطن والمواطنين فاستقالت الحكومة، وقد ‏يؤدي ذلك إلى حل مجلس الأمة وضبط العمل البرلماني وبناء طبقة سياسية جديدة.‏

بدء المراجعة في الملفات الأمنية والاقتصادية واحتياجات الناس:‏

حمل خطاب سموه تأكيدات على ضرورة مراجعة واقع البلاد الخالي في صُعد مختلفة أبرزها:

- الأمن.

- الاقتصاد.

- الواقع المعيشي.

ضمن تحذير واضح بعدم حدوث تغيير أو تصحيح أو التزام بالتوجيهات السابقة التي حملها خطاب الأمير ‏في يونيو 2022 الماضي الذي شهد بعده حلّ مجلس الأمة في أغسطس 2022 وإجراء انتخابات ‏برلمانية جديدة نتج عنها مجلس الأمة الحالي.

ورغم التحذيرات، أطلق خطاب سموه إشارات تفاؤل وأمل ضمن المشاورات مع أهل الرأي والنصيحة ‏ذوي الولاء للكويت وشعبها فقال سموه: «يتعين علينا اليوم، ونحن نمرّ بمرحلة تاريخية دقيقة، ضرورة ‏مراجعة واقعنا الحالي من جميع جوانبه خصوصاً الجوانب الأمنية والاقتصادية والمعيشية، وأن نتحاور ‏وأن نتبادل الرأي والمشورة والنصيحة، وأن نسعى جميعاً لإشاعة أجواء التفاؤل وبث روح الأمل لتحقيق ‏الطموح المنشود، وضرورة التأني والتريث في إصدار القوانين والقرارات التي لها تأثير على المكتسبات ‏الوطنية حفاظاً على الهوية الكويتية وتعزيزاً للمواطنة الحقة للكويتيين الذين يؤمنون بأن الكويت هي البقاء ‏والوجود وأن الولاء لها».

ثبات المبادئ والعهود:

رغم ما أكده خطاب سموه من تحذيرات والقرارات والانتقادات القاسية لسوء أداء الحكومة والبرلمان الذي ‏عطل الحياة السياسية في البلاد، فإن سموه أكد ثبات المبادئ الشامخة التي تميزت بها الكويت بعراقة ‏تاريخها.

فقال سمو الأمير: «ما أثقل حمل الأمانة وما أعظم أداء القسم العظيم وما أشد الوفاء بالعهد والوعد وأنا ‏اليوم وقد تسلمت زمام الحكم تكليفا لا تشريفا فإني من خلال مجلسكم الموقر أعاهد الله سبحانه وتعالى ثم ‏أعاهد الشعب الكويتي الوفي كممثلين له أن أكون المواطن المخلص لوطنه وشعبه، الحريص على رعاية ‏مصالح البلاد والعباد، المحافظ على الوحدة الوطنية، الساعي إلى رفعة الوطن وتقدمه وازدهاره، المتمسك ‏بالدين الحنيف والثوابت الوطنية والدستورية الراسخة، حاملاً لواء احترام القانون وتطبيقه، المحارب لكافة ‏صور الفساد وأشكاله، مستذكرا ما تركه لنا الآباء والأجداد من أمانة الحفاظ على الوطن ومنفذا وصية ‏حكامنا السابقين طيب الله ثراهم بأن الكويت هي البقاء والوجود وأن أعمارنا إنما هي في أعمالنا».

وأعلن سموه: «انطلاقاً من مسؤولية وأمانة الحكم فإنه يتوجب علينا كقيادة سياسية أن نكون قريبين من ‏الجميع نسمع ونرى ونتابع كل ما يحدث من مجريات الأمور والأحداث مؤكدين على أهمية المتابعة ‏والمراقبة المسؤولة والمساءلة الموضوعية والمحاسبة الجادة في إطار الدستور والقانون عن الإهمال ‏والتقصير والعبث بمصالح الوطن والمواطنين فسيروا على بركة الله وتوفيقه، ونحن دائماً معكم على الوعد ‏والعهد الذي قطعناه على أنفسنا باقون، وبالقسم العظيم بارون أوفياء للوطن والمواطنين».

ثانياً: البعد الخارجي في خطاب سمو الأمير

للكويت دور ريادي خارجي متوازن ذو أثر إيجابي فاعل شهد له البعيد والقريب، ورغم ما شهدته ‏البلاد من بعض الركود في سياستها الخارجية نظراً لانشغالها بالمشهد الداخلي وتعقيدات المشهد السياسي ‏الداخلي... فإن خطاب سموه حمل رسائل واضحة بالتزام الكويت بثبات سياستها الخارجية لا سيما نحو ‏الأشقاء الخليجيين، مؤكداً سموه استمرار نهج ودور دولة الكويت الريادي مع الدول الشقيقة والصديقة ‏في مختلف القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، مشدداً على الحفاظ على الالتزامات الخليجية ‏والإقليمية والدولية.

ولا سياسة خارجية ناجحة دون استقرار داخلي، حذر سموه في ذات الخطاب من أن «الأزمات والتحديات ‏والأخطار محيطة بنا، وأن الحكمة تقتضي منّا إدراك عِظَم وحجم المسؤولية والتمسك بالوحدة الوطنية».

ثالثاً: خطاب تاريخي لعهد جديد

يتضح لنا بقراءة واعية متزنة أن خطاب القسم لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، حمل خريطة المرحلة القادمة بشكل يختلف جذرياً عما سبق وعاشته البلاد، ضمن مسارات ‏عمل واضحة تعمل على تحييد أطراف الصراع المتناحرة داخلياً، والتي عطلت المشهد السياسي الداخلي ‏في الفترة السابقة، وبدء المرحلة الرابعة من تاريخ الكويت الحديث.

إن خطاب صاحب السمو توافق مع رغبة الشارع في إنهاء التأزيم وحل جذور الخلاف، حيث أكد أن المقبل ‏من الأيام سيحمل حلولاً جذرية لواقع العمل المؤسسي في البلاد عبر غربلة مدروسة لكل التحزبات ‏والمحسوبيات لأطراف معينة أضرت الدولة والشعب، فلن تكون الكويت كالسابق داخلياً وخارجياً.

سنشهد إعادة هيكلة السلم الهرمي لقيادات الأجهزة التنفيذية بحيث تعتمد على الكفاءة لا الوساطة ‏والمحسوبيات كما كان في السابق ليعود كل طرف إلى عمله الحقيقي، البرلمان كجهة رقابية تشريعية ‏والحكومة كجهة تنفيذية وسمو الأمير كجهة تحمي البلاد وتحافظ على وحدتها ودستورها وآمال شعبها... ‏ضمن تصحيح حقيقي للمسار الذي لمّا يتم تنفيذه في خطاب يونيو 2022 السابق.

خطاب صريح من أب لأبنائه حمل نقداً لاذعاً للمتهاونين وتحذيرات شديدة من أن عهد الفوضى انتهى وبدأ ‏عهد الدولة بمؤسساتها القانونية والدستورية وليس المكتسبات الشخصية، بحيث يتم وقف التعيين ‏والاستثناءات التي استخدمت في السابق، وترسيخ «مبدأ المشاركة... لا المغالبة».‏

ختاماً: تجب الإشارة إلى خبرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد في تطوير المؤسسات التي ‏عمل بها وأدارها في سنوات الخبرة الطويلة كمؤسسة الحرس الوطني التي طورها وقوى الأفراد فيها، ‏وغيرها من المؤسسات بحزم ورؤى واضحة ما يعكس القدرة والجديّة التي ستنعكس على واقع بلادنا في ‏قابل الأيام تتحقق فيها رؤية الكويت للاستقرار والتنمية والإصلاح، وتواكب مسيرة الدول المتقدمة، وتستعيد ‏دورها عروساً للخليج ودرة سياسية واقتصادية نادرة.