تقرير اقتصادي: قراءة في «الحزم» الذي تحتاجه البلاد
يعمد إلى إصلاحات شاملة تبدأ بالاقتصاد والإدارة وصولاً إلى «حصى الشوارع والحُفر»!
• معياره لتقييم الوزراء ورئيس الحكومة وقياديي الدولة مدى إنجازاتهم
• يبتعد عن كونه قبضة أمنية أو انقلاباً على الدستور أو انفراداً بسلطات الإدارة
مع دخول البلاد عهداً جديداً، تتطلع الكويت إلى جملة اصلاحات ضرورية، خصوصاً على صعد الاقتصاد والإدارة والخدمات لتحقيق أعلى درجة ممكنة من الاستدامة للعقود القادمة مع مراجعة السياسات التي أدت الى تعثّر البلاد خلال السنوات الماضية وتراجع مكانتها، إذ يتداول الكويتيون في المنتديات والدواوين الحديث عن «الحزم» كسياسة عامة للدولة في الفترة المقبلة.
ومع أن مصطلح «الحزم» الذي يطلقه العديد في الكويت متفاوت من حيث الفهم والمقاصد والأهداف وحتى النوايا، فإنه من المهم الاعتراف بأن الكويت بالفعل بحاجة الى الحزم كمبدأ عام في سياسات الإدارة تحديداً، وهو أمر بكل تأكيد لا علاقة له بمطالبات الانقلاب على الدستور أو خلق قبضة أمنية أو الانفراد بسلطات الإدارة، أو حتى التغول باستخدام سياسات مالية تحمّل المجتمع مسؤولية إخفاق مؤسسات الدولة في واجباتها الخدمية والاقتصادية خلال السنوات الماضية أو تنمية الخطاب العنصري تجاه الوافدين أو بين المواطنين، فالحزم الذي تحتاجه الكويت يجب أن يترجم إلى مشروع دولة يتضمن جودة في الإدارة وتنمية الاقتصاد، ولعل اختباره الأول من خلال التكليف المنتظر لرئيس الوزراء لتشكيل الحكومة الـ 24 منذ عام 2006، فضلاً عن إيجاد حلول جوهرية لمعالجة هذا الوضع الذي جعل متوسط عمر الحكومة الواحدة لا يتجاوز الـ 10 أشهر.
ما المطلوب؟
الحزم المطلوب في التشكيل الحكومي يجب أن يتعامل مع مسألة اختيار الوزراء وفق معايير الكفاءة لا المحاصصة كمسألة حتمية، لينشغل بما هو أعمق منها كتبنّي مشروع دولة يجمع بين تطوير الإدارة وتنمية الاقتصاد، وهو أمر يتطلب تطوير آلية العمل في مجلس الوزراء بقرارات تنفيذية واضحة بعيداً عن صيغ التسويف المعتادة مثل (تكليف - تشكيل لجنة - دراسة - تنسيق - متابعة - بحث عن حلول وبدائل... إلخ)، والتي باتت علامة لعدم الإنجاز في السنوات الماضية، الى جانب أن يتولى مجلس الوزراء اختصاصاته في رسم السياسات العامة التي تستهدف تحقيق تقدم واضح في معالجة اختلالات الاقتصاد الأساسية كتنويع الاقتصاد وسوق العمل والتركيبة السكانية وحجم القطاع الخاص وكفاءته وفق جدول زمني يتبيّن فيه مدى تحقق هذه الأهداف وفق المدد المقررة، مع بيان أي معوقات أو انحراف أو إخفاق في التنفيذ، وعلى ذلك يكون «الحزم» في المحاسبة من خلال تقييم قدرة الوزراء ورئيسهم وقياديي الدولة في الإنجاز من عدمه.
قياس النجاح
وإلى جانب ذلك، لا بدّ من التعامل بمهنية في مسائل معالجة ملاحظات ومخالفات ديوان المحاسبة، وضرورة تقليص الشحم الزائد من القطاع العام من خلال دمج الهيئات المتشابهة وغير الضرورية والقطاعات غير المنتجة في الوزارات المختلفة، كما أنه من المهم عدم اعتبار إطلاق مجموعة من المشاريع الكبرى، مثل إنشاء مدينة الحرير أو إنجاز ميناء مبارك أو افتتاح مشروع المنطقة الشمالية إنجازاً اقتصادياً، فهذه نتائج أو مظاهر لمشروع أكبر يستهدف إصلاحاً اقتصادياً وإدارياً يعطي نتائج تنموية ومالية وخدمية، وتحديداً يقاس النجاح فيه بما يعالجه من اختلالات الاقتصاد.
لا تسامح
ومن الحزم عدم التسامح مع مسألة ضعف أو غياب البيانات الاقتصادية والمالية الإحصائية، فقد نشرت الإدارة للمركزية للإحصاء الأسبوع الماضي أولى التقديرات الأولية للناتج المحلي الإجمالي منذ الربع الأول من عام 2021، معللة توقف البيانات لـ 10 أرباع سنوية، أي عامين ونصف العام، بتأثيرات جائحة «كوفيد 19»، وهو ربما ما يجعل الكويت الدولة الوحيدة في العالم التي تتوقف بياناتها الإحصائية الفائقة الأهمية، كالتضخم والناتج المحلي بسبب الجائحة، مما يجعلها علامة إخفاق مستحدثة خلال السنوات القليلة الماضية، فضلاً عن أن يكون الحزم سياسة حكومية تتصدى فيها جهات الدولة الفنية كوزارة المالية والبنك المركزي ومؤسسة التأمينات الاجتماعية للمطالبات المالية الشعبوية المرهقة للخزانة العامة ببيانات وأرقام تعطي الرأي العام صورة عن توقعات المستقبل ومخاطر الشعبوية، لا أن تتوارى هذه الجهات عندما يحين دورها في إطلاع المجتمع على التوقعات والتصورات المستقبلية لهذه المقرحات.
تغطية الإخفاق
كما أن الحزم المنتظر ليس في تغطية إخفاقات الادارة العامة وتحديداً التنفيذية بمصروفات مالية باهظة وربما متنامية، فلا تزال أزمة كورونا ماثلة كأسوأ نموذج لتغطية الإخفاق بالإنفاق الشعبوي، إذ غطت الدولة إخفاقها في التعامل مع معالجة ملفات أصحاب الأعمال والمبادرين وانكشاف النشاط التجاري على الاستيراد المبالغ فيه، بضخ سيولة غير ضرورية على شكل منح لما يُعرف بالصفوف الأمامية أو المتقاعدين أو بيع الإجازات ووقف استقطاع القروض، فضلاً عن استنزاف خدمات الدولة لشراء الولاءات وتجاوز الإخفاقات، كما حدث مع فساد العلاج بالخارج والحيازات الزراعية خلال السنوات الماضية.
أبسط الصور
والحديث عن أوجه ممارسة سياسات الحزم لا ينتهي، ويمتد ليصل إلى أبسط صور هذه الممارسة، في أن يبدأ العام الدراسي بموعده المعتاد دون تأخير غير مبرر، وأن تختفي الحصى والحفر من الطرق، وألّا تتحول دروازة العبدالرزاق إلى أزمة خدمية، وألا يخترق إعلان استثماري مشبوه أنظمة الدولة ومؤسساتها، أو أن يتحول السكن الخاص إلى بيئة مضاربة تهدد شبكة الأمن الاجتماعي، فهذه الإخفاقات لا تليق بدولة، فكيف إذا كانت من ضمن الأغنى عالمياً؟!
حُسن الحظ
وفي الحقيقة، فإن الكويت، ومن حسن الحظ فقط، لا تعاني أزمة اقتصادية معقّدة أو مركبة، فلا نعاني أزمة موارد في ظل وجود النفط، ولا انفجاراً سكانياً يتحول إلى عبء على الاقتصاد والنمو، أو دَيناً عاماً اجنبياً يستنزف الإيرادات ويثبط المشاريع وسوق العمل، إنما فقط في إدارتها العامة التنفيذية، وبدرجة أقل التشريعية، وهو ما يلقي على سياسات «الحزم» مسؤولية إصلاح الإدارة وترشيدها، والعمل على تطويرها، وهي أمور - من حسن الحظ أيضاً - تأتي في وقت يحظى فيه برميل النفط الكويتي بأسعار مرتفعة إلى حد ما، بسبب عوامل الدعم الاستثنائية في سوق الطاقة، وهو ما يجعل آثار أو تبعات أي حزم اقتصادي أو إداري أو خدمي أقل إيلاماً وأكثر قابلية من أي وقت آخر.