يعكف الخبراء والمراقبون على رسم سيناريوهات وتداعيات محتملة لعملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس صالح العاروري، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، فالإسرائيليون التزموا بتهديدات كانوا قد أطلقوها سابقا حول استهداف قيادات وكوادر «حماس» خارج قطاع غزة، وخصوصا في لبنان، علما أنه في أغسطس الماضي، أي قبل عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر، التي أطلقت الحرب الإسرائيلية على غزة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدد العاروري شخصيا، وهو ما رد عليه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بأن أي اغتيال لأي شخصية فلسطينية أو سورية أو إيرانية أو لبنانية على أرض لبنان ستقابل برد قوي.

خطأ أمني

Ad

وفيما يتعلق بحيثيات عملية الاغتيال، هناك تساؤلات كثيرة تطرح ولا تزال التحقيقات تدور حولها، خصوصا أنه من ناحية أمنية ثمة اعتبار لوقوع خطأ أساسي في عقد اجتماع لهذا العدد من الكوادر في مكان واحد وبنفس التوقيت، في ظل ظروف الحرب الإسرائيلية المعلنة على «حماس»، فالعاروري اغتيل إلى جانب 6 كوادر من حركة حماس و«الجماعة الإسلامية».

وهنا ثمة مفارقة ثانية، تتصل بالاندماج الكامل بين «الجماعة الإسلامية»، وهي فصيل إسلامي سني لبناني، وحركة حماس، خصوصا أن الجماعة قد نعت ثلاثة من كوادرها كانوا برفقة العاروري، وبحسب المعلومات أحدهم مسؤول أمني وعسكري في البقاع، والآخر مسؤول أمني تقني، وهو خبير في مجالات الاتصالات والأمن السيبراني والحروب التقنية، إضافة إلى مسؤولين عسكريين كبيرين في «كتائب القسام»، أحدهما المسؤول عن العمليات التي تشنها الكتائب انطلاقا من جنوب لبنان.

رصد أم خروقات؟

وهذه ليست الحادثة الأولى التي يقضي فيها مسؤول في «حماس» إلى جانب شخصيات إسلامية أو شخصيات من الجماعة الإسلامية، ففي نوفمبر الفائت، اغتالت مسيرة إسرائيلية نائب المسؤول العسكري بـ«كتائب القسام» في لبنان خليل خراز، والذي كان برفقته شيخان من مدينة طرابلس وشابان تركيان، من هنا تجري التحقيقات حول كيفية حصول العملية، وما إذا كانت إسرائيل لديها قدرات متقدمة جدا في الرصد والتنصت أم أن هناك خروقات أمنية على مستوى عال.

يأتي ذلك، بعد مغادرة حركة حماس المبنى الرئيس الحديث لـ «الجماعة الإسلامية» في مدينة صيدا، ونقل كل أنشطتها واجتماعاتها ولقاءاتها إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.

وفيما كانت «الجماعة الإسلامية» أعلنت من قبل عن تنفيذ عدد من العمليات ضد إسرائيل تحت لافتة «قوات الفجر»، عادت وانكفأت، وهنا يعتبر مسؤولون في الجماعة أن «حزب الله» أراد التضييق على الجماعة، لعدم القيام بالمزيد من العمليات، فيما انتقد مسؤولون في «الجماعة» تغييب الأمين العام لحزب الله عن ذكر «الجماعة الإسلامية» عندما أتى على ذكر الجهات التي تشن عمليات ضد إسرائيل.

السيناريو السوري

على مستوى آخر، ما تشير إليه العملية هو الانتقال من مسار العمليات العسكرية المباشرة إلى العمليات الأمنية والاستخبارية التي تركز على الاغتيالات، وهو طريق يحول الساحة اللبنانية إلى وضعية مشابهة للواقع السوري. هذه العمليات الأمنية قد لا تقتصر على الاغتيالات، وربما تشمل لاحقا تنفيذ عمليات استهداف وتفجير لمواقع ومراكز أو شحنات أسلحة أيضا كما هو الحال في سورية.

لكن الأهم هو الخرق الإسرائيلي لكل قواعد الاشتباك واستهداف الضاحية الجنوبية بعملية اغتيال واضحة للمرة الأولى منذ عام 2006، وهو أمر يرفع سقف التحدي بالنسبة الى الحزب، خصوصا أن التجارب تشير إلى أنه غالبا عندما تشن إسرائيل هذا النوع يتحول الأمر إلى مسلسل من العمليات الأمنية المتقطعة.

خطة الخروج

أما السيناريوهات المحتملة لتداعيات هذا الاغتيال فيمكنها أن تقود إلى تصعيد المواجهات وتكثيفها، كما في نفس الوقت يمكنها أن تشكل مرحلة للانتقال من المواجهة العسكرية المباشرة والعمليات العنيفة والكثيفة في قطاع غزة، إلى عمليات الاغتيال والتصفية وإبقاء الحالة الحربية، خصوصا أن إسرائيل أصبحت تتعرض لضغوط كبيرة حول ضرورة وقف الحرب وإطلاق مسار المفاوضات السياسية.

ما هو ثابت أنه لا أحد يريد تحويل الحرب في غزة إلى مواجهة إقليمية، فيما يمكن لإسرائيل أن تنسب لنفسها تحقيق اغتيال لقيادي كبير في «حماس» بعد عجزها عن تحقيق ذلك في قطاع غزة، خصوصا أن «حماس» وصفت العاروري بأنه مهندس «طوفان الأقصى»، ما يعني عمليا أن هذا النوع من العمليات قد يساعد الإسرائيليين على خفض العمليات العسكرية في غزة على أساس أنها «نجحت» في تصفية المسؤولين عن أحداث 7 أكتوبر، وبالتالي أصبح بالإمكان الذهاب إلى التفاوض حول مستقبل القطاع، خصوصا في ظل المساعي لإعادة تشكيل سلطة جديدة فيه تأخذ شكل حكومة وحدة وطنية.