رفع الجيش الإسرائيلي حالة التأهب على طول الحدود مع لبنان، أمس، مؤكداً استعداده «لكل السيناريوهات»، بعدما اتهمته «حماس» باغتيال أحد أبرز قيادييها صالح العاروري في ضربة بالضاحية الجنوبية لبيروت، وتوعّد «حزب الله» اللبناني بأن الهجوم لن يمرّ دون عقاب، وسط مخاوف من اتساع نطاق حرب غزة المتواصلة منذ 89 يوماً.
ورغم عدم تبنّي إسرائيل مباشرة لعملية اغتيال أول قيادي لـ «حماس» بالخارج منذ اندلاع حرب غزة، فإن الناطق باسم جيشها، دانيال هاغاري، قال في مؤتمر، ليل الثلاثاء ـ الأربعاء، إن قواته «في حالة تأهّب دفاعاً وهجوما. نحن على أهبة الاستعداد لكل السيناريوهات».
وتفادى هاغاري التعليق على اغتيال العاروري الذي وصفته «حماس» بأنه «مهندس هجوم طوفان الأقصى»، مشددا على أن «أهم أمر نقوله الليلة هو أننا نركّز على محاربة حماس ونواصل التركيز على ذلك».
ترقّب ومأزق
وفي ظل ترقّب لحجم ونوع ردّ الأمين العام لـ «الحزب»، حسن نصرالله، على المأزق الذي وضع فيه بعد تخطّي إسرائيل خطوطه الحُمر وقيامها باغتيال القيادي الفلسطيني البارز في «محور المقاومة»، الذي تقوده إيران، بمعقله في بيروت أمس الأول، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، تعزيز منظومة القبة الحديدية على طول الحدود مع لبنان ومنطقة الجليل التي تشهد اشتباكات يومية منذ بدء حرب غزة في السابع من أكتوبر الماضي.
وفي حين توقّع مسؤول إسرائيلي «رداً انتقامياً كبيراً» على العملية التي تضمنت شن هجوم جوي على العاصمة اللبنانية لأول مرة منذ عام 2019، نقلت صحيفة معاريف أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى عدم تزايد القتال في الجبهة الشمالية وتحوله إلى حرب مفتوحة.
ونقلت الصحيفة العبرية التحذيرات الإسرائيلية من نيّة «حماس» الرد على اغتيال العاروري و6 آخرين بينهم قياديان في الجناح العسكري باستهداف أهداف داخل إسرائيل وخارجها.
وفي وقت نقلت «معاريف» عن مصادر مطلعة قولها إن التقديرات تشير إلى أن عملية الاغتيال تسببت في إفشال مباحثات صفقة تبادل الأسرى مع «حماس»، كشفت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن مصر أبلغت تل أبيب بتجميد وساطتها بين الدولة العبرية والحركة الفلسطينية.
في المقابل، أكد رئيس المكتب السياسي لـ «حماس»، إسماعيل هنية، أن الحركة «لن تُهزم»، مشيرا الى أن «تاريخ الحركة يُظهر أنها تكون أشد قوة وإصراراً بعد اغتيال قادتها». ونزل آلاف الفلسطينيين إلى شوارع مناطق عدة في الضفة الغربية ليل الثلاثاء للتنديد بمقتل العاروري الذي يتحدر من المنطقة المحتلة.
تنديد وحذر
في غضون ذلك، خرجت تنديدات حذرة من عدة مسؤولين في إيران بضربة بيروت.
وندد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي باغتيال العاروري بطائرة مسيرة بمكتب «حماس» في بيروت، ووصف ما جرى بالجريمة.
كما اعتبر وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان أن الاغتيال «عملية إرهابية جبانة تثبت أن النظام الصهيوني لم يحقق أيا من أهدافه بعد أسابيع من جرائم الحرب في غزة، رغم الدعم الأميركي».
وفي حين رأى وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني أن عواقب قتل العاروري سترتد على الولايات المتحدة التي كانت تضعه على لوائح المطلوبين لها منذ سنوات.
واتهم أشتياني واشنطن بأنها أخلت بـ «التوازن الإقليمي»، مشيراً إلى أن الاغتيال سيكون وحدة ضد السياسات الأميركية.
وفي وقت يبدو أن طهران تخشى من انجرار «حزب الله» إلى حرب شاملة قد تفقدها ميزة توجه رد على إسرائيل بحال شنّها ضربة استباقية تستهدف برنامجها النووي، شدد «الحرس الثوري» على أن «جريمة الاغتيال لن تجعل حسابات المقاومة تقع في خطأ استراتيجي».
على الصعيد الدولي، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إسرائيل إلى «تجنّب أيّ سلوك تصعيدي، وبخاصة في لبنان»، فيما أفادت تقارير بأن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بعملية الاغتيال، التي يخشى من تسببها باشتعال جبهة لبنان، خلال تنفيذها وليس قبلها.
وتعهد رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) ديفيد برنيع، أمس، بأن يصل الجهاز إلى جميع قادة «حماس».
وقال برنيع، في كلمة خلال تشييع رئيس الموساد الأسبق تسفي زامير، إن الجهاز ملتزم بـ «تصفية الحسابات مع القتلة الذين وصلوا إلى غلاف غزة في السابع من أكتوبر» ومع قيادة «حماس».
وأضاف: «سيستغرق الأمر وقتا، تماما كما حدث بعد مذبحة ميونيخ، لكننا سنضع أيدينا عليهم أينما كانوا».
وزامير أشرف على العمليات الانتقامية الإسرائيلية ضد الجماعات الفلسطينية المسلحة في أعقاب مقتل رياضيين أولمبيين إسرائيليين في ميونيخ عام 1972.
حديث التهجير
إلى ذلك، جدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، الدعوة إلى هجرة الفلسطينيين من غزة، بغضّ النظر عن رأي الولايات المتحدة التي دانت صدور مثل هذه المواقف من بن غفير ووزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش.
وكتب بن غفير عبر منصة إكس: «الولايات المتحدة هي أفضل أصدقائنا، لكننا سنقوم قبل كل شيء بما هو لمصلحة إسرائيل: «هجرة مئات الآلاف من غزة ستسمح للسكان في البلدات الإسرائيلية القريبة من حدود القطاع، بالعودة إلى منازلهم والعيش بأمان، وستحمي جنود الجيش الإسرائيلي».
وأتى موقف بن غفير بُعيد انتقاد وزارة الخارجية الأميركية تصريحات سابقة له ولزميله سموتريتش، تدعو إلى نقل سكان غزة إلى خارج القطاع الفلسطيني.
وقال الناطق باسم «الخارجية»، ماثيو ميلر، في بيان إن «الولايات المتحدة ترفض التصريحات الأخيرة للوزيرين»، معتبراً أنها «تحريضية وغير مسؤولة».
وأوضح أن «الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أبلغتنا مراراً أن هذه التصريحات لا تعكس موقف الحكومة»، مؤكداً أن واشنطن تعتبر «غزة أرضاً فلسطينية وستبقى أرضاً فلسطينية».
وكان بن غفير قال الاثنين الماضي إن «الترويج لحلّ يشجّع على هجرة سكّان غزّة ضروري. إنّه حلّ صحيح وعادل وأخلاقي وإنساني»، معتبراً أن خروج الفلسطينيين من شأنه أن يفتح الطريق أمام إعادة إنشاء مستوطنات يهودية».
جاء ذلك غداة دعوة سموتريتش إلى عودة المستوطنين اليهود إلى القطاع، الذي انسحبت منه إسرائيل من طرف واحد عام 2005، بعد نهاية الحرب الحالية مع «حماس».
في غضون ذلك، أفادت وزارة الصحة في غزة بارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 22313 قتيلا منذ اندلاع القتال.
ومع تواصل الاشتباكات في عموم القطاع بين الجيش الإسرائيلي وعناصر حركتَي حماس والجهاد، دعا رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، المجتمع الدولي إلى «إسقاط الطعام بالمظلات»، والضغط على إسرائيل لفتح المعابر لإدخال الطعام إلى القطاع المعزول والمحاصر، الذي قال إنه «يشهد حالة جوع وتجويع في مشاهد صادمة لنا وللعالم».