لبنان يعود إلى «مسار هوكشتاين» ويسعى لإحياء «صيغة الـ 7 كلم»
«حزب الله» لا يريد الحرب... لكنه عاجز عن التراجع خطوة إلى الوراء
بعد الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، الذي أشار فيه بغاية الوضوح إلى عدم نيّة الحزب الذهاب إلى التصعيد أو الحرب الشاملة، عاد لبنان إلى الرهان على المسار الدولي والدبلوماسي لاستعادة الهدوء على الجبهة الجنوبية، خصوصاً على المساعي الأميركية التي يقودها المبعوث الرئاسي الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين، فيما يدور الحديث عن سلّة شاملة للحلول لا تقتصر على وقف المواجهات مع إسرائيل جنوباً وإنهاء الفراغ الرئاسي المتمادي.
ووصل هوكشتاين أمس، الى إسرائيل، ليبحث مع المسؤولين هناك سبل ضمان عدم الانزلاق الى تصعيد على الجبهة اللبنانية، وكذلك الشروط التي يمكن أن تضمن عودة الهدوء إلى الحدود التي شهدت حالة من الاستقرار منذ حرب 2006 حتى 7 أكتوبر 2023.
وفيما يحضّر هوكشتاين لزيارة بيروت، وهو ما كشفت عنه «الجريدة» قبل حوالي أسبوع، لا يستبعد مراقبون أن يحصل تصعيد في الجنوب من قبل حزب الله أو الإسرائيليين، حيث يسعى كلا الطرفين إلى تحسين شروطهما لوضعها على طاولة المفاوضات غير المباشرة.
ورغم ذلك، أصبح من الواضح أن رهان اللبنانيين، بما في ذلك حزب الله، على المساعي الدولية والدبلوماسية يتزايد، فرئيس مجلس النواب نبيه بري يشير بوضوح إلى رفض لبنان الذهاب إلى حرب، محملاً إسرائيل مسؤولية التصعيد وخرق القرار 1701.
ويشدد بري على أن حزب الله يأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية وظروف البلد القاسية والخيارات الضيقة، لذلك هو لا يريد الذهاب إلى الحرب، لأن تداعياتها ستكون سلبية جداً على البلد، وهو ما أشار اليه كذلك نصرالله في خطابه أمس الأول.
ويرى بري أن اغتيال القيادي في «حماس»، صالح العاروري، بالضاحية الجنوبية لبيروت، هو تصعيد خطير من شأنه أن يوتر الأجواء على الرغم من الاتصالات التي تُجرى مع الحزب في سبيل تفادي التصعيد، لكنّه يلفت في الوقت نفسه الى أن العملية أظهرت بوضوح أن إسرائيل تخرق القرار 1701، وهذا يقوّي موقف لبنان التفاوضي.
وفي خطوة تسلّط الضوء على كيفية ترابط وتكامل الملفات في لبنان، كان بري يستعد للقيام بمبادرة رئاسية جديدة أو تحرّك رئاسي بعد عطلة الأعياد، لكنه اضطر الى الإرجاء، في انتظار تداعيات اغتيال العاروري.
وانطلاقاً من كلام بري وخطاب نصرالله، فإن الوقائع تمنح فرصة جديدة لهوكشتاين، الذي أصبح الرهان اللبناني عليه جامعاً، للخروج من معادلة الاستنزاف القائمة، لكن حزب الله يجد نفسه غير قادر على التراجع خطوة إلى الوراء، مادامت الحرب على قطاع غزة مستمرة.
ومن هنا يمكن صد مسارين يحكمان المشهد، الأول التحضير لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، والثاني ضمان عدم توسّع أو تصعيد المواجهات في جنوب لبنان.
وهذا ما تتركز عليه الجهود السياسية والدبلوماسية اللبنانية رداً على كل الاتصالات الدولية التي تتلقاها بيروت، حيث يؤكد المسؤولون اللبنانيون أن حزب الله لا يزال يلتزم بنفس القواعد، بينما إسرائيل هي التي تخرقها وتعمّق من استهدافاتها وتنتقل إلى العمليات الأمنية والتصفيات.
ووفق المعلومات، سيطالب لبنان هوكشتاين بالضغط على إسرائيل لوقف هذا التصعيد، وإحياء معادلة كانت قد نوقشت معه سابقاً، لإبقاء نطاق المواجهة ضمن مسافة تتراوح بين 3 و5 كلم، وبحد أقصى 7 كلم، إلا أن اسرائيل لم تلتزم بها.
وفي إسرائيل يعتزم مسؤولون إسرائيليون إبلاغ هوكشتاين أنه من دون التوصل إلى اتفاق دبلوماسي لإبعاد حزب الله عن الحدود، فإنه لن يتمكن من إعادة السكان إلى البلدات الشمالية، حسبما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية (كان) أمس. وكانت إسرائيل طالبت بابتعاد الحزب 10 كيلومترات عن الحدود.
من جهة أخرى، يبقى الرهان على هوكشتاين مرتبطاً كذلك بوقف الحرب على غزة وإطلاق مسار سياسي لمعالجة النقاط التي أصبحت معروفة فيما يتصل بترسيم الحدود البرية بين لبنان واسرائيل والانسحاب من 13 نقطة حدودية متنازع عليها، إضافة إلى إيجاد صيغة لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر عبر وضعها تحت سيطرة الأمم المتحدة، على أن يكون ذلك مرتبطاً بمسار البحث عن تسوية رئاسية. كل ذلك يبقى قائماً مادامت إسرائيل لم تلجأ الى تفجير الوضع في جنوب لبنان أو تكرار عملياتها الأمنية في مناطق متفرقة منه لتصفية قيادات ومسؤولين في حزب الله أو «حماس».