هل تعليق البرلمان هو الحل؟
هناك نغمة شاذة ودعوة لا يراد بها الخير للوطن وتخلط الأوراق والألوان، تتمثل بالدعوة لتعليق الحياة البرلمانية لسنتين أو أكثر، وردا على ذلك أقول إنه يجب أن يتمركز في الوعي العام أن الحكومة تملك صلاحيات ومهام واسعة وشاملة تجعلها تملأ كل الأنشطة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ناهيكم عن مشاركتها في التصويت على القوانين واختيار رئيس مجلس الأمة ولجانه بعدد 16 صوتاً، بل إن دور مجلس الأمة لا بد أن يكون في مواكبة الدور الحكومي ليرفده بالتشريعات التي تقترحها غالبا الحكومة، إضافة إلى الدور الرقابي للمجلس بمحاسبة الحكومة على التزامها بالقوانين والتشريعات وبرنامج العمل وخطط الدولة، وحتى نلقي الضوء على حقيقة ضخامة دور الحكومة لا بد من ذكر ما نصت عليه المادة (123) من الدستور، وهو «يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية».
ونص المادة المادة (130): «يتولى كل وزير الإشراف على شؤون وزارته ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، كما يرسم اتجاهات الوزارة ويشرف على تنفيذها».
وهذا يعني أن الحكومة تملأ ساحة الفعل من التنسيق والتخطيط والتنفيذ ناهيكم عن دور كل وزارة وهيئة حكومية منفردة بوضع سياساتها وتنفيذها شرط ألا تتعارض أو تخالف السياسة العامة، مما يجعل الحكومة هي القاطرة التي تقطر مجلس الأمة بحيث يشرِّع ما تتطلبه العملية التنفيذية وتسهل تجسيد السياسة العامة وتوجهات كل وزارة.
وبناءً عليه فإن الحكومة إذا قامت بالدور المنوط بها وملأت فضاء المجتمع بتنفيذ المشاريع التنموية وطبقت القوانين والتشريعات بقوة وشمول فإن نشاط المجلس سيتحجَّم الى وضعه الطبيعي وينكمش هامش الاعتراض والنقد، وبالتالي الاستجوابات الى أضيق الحدود، فتتوازن فعاليات الحكومة وفعاليات المجلس وتتركز في حدود التعاون لا التضارب، وينكشف أي مطلب أو تحرك نشاز من أعضاء البرلمان ويهدف الى دغدغة مشاعر الناس عبر المطالب الشعبوية، فمتى انهمكت الحكومة في عمليات الإصلاح والبناء انسدت الآفاق في وجه المتكسبين أيا كانوا من ضعف وانحراف الأداء الحكومي، وستكون الاستجوابات المستحقة في أدنى حدودها، وتأتي كإجراء طبيعي وإيجابي.
وفي هذا العهد الجديد الذي يهدف للإصلاح والتطوير والقضاء على الفساد لا بد من الاشتغال على الآلة الحكومية وإخراج وزارة تكتنز بالكفاءات وذوي الرُّؤى بعد ترشيق الجسم الحكومي عبر خصخصة القطاع الإنتاجي، فلو تمت خصخصة القطاعين الصحي والتعليمي اللذين يمثلان عبئا ثقيلا بوجود عدد الموظفين الهائل والمراكز والمرافق الصحية والتعليمية الضخمة ومتطلبات إدارتها وضبطها وصيانتها ومتابعتها فلن يتجاوز عدد الموظفين في كل وزارة خمسة آلاف في كل منهما بدل 135 ألفا في التربية و70 ألفا في الصحة، وتكون مهام الموظفين مراقبة وقياس الأداء التعليمي والصحي وفق السياسات والأهداف المرسومة ومدى التزامها بالقوانين والقرارات الوزارية ورصد المخالفات والانحرافات عن الأهداف وإجراء عمليات المحاسبة وفرض العقوبات.
وقس على ذلك بقية القطاعات، فرأس الحربة في عملية الإصلاح والتطوير يتمثل بالتغيير الجذري للحكومة في بنيتها وأدائها الفعلي لأنها محكومة ببرنامج عمل منضبط بإطار زمني وكمي، وهو المقياس الأهم في الرقابة البرلمانية والشعبية.
فالإصلاح والتغيير يبدآن وينتهيان في الإطار الحكومي، كما أن الوعي الشعبي سيتغير عميقاً متى ما نهضت الحكومة بدورها، وأنجزت ما عجزت عنه الحكومات السابقة، وسبقنا أو تعادلنا مع مظاهر وآليات التطور في دول مجلس التعاون الخليجي، وسينعكس الوعي الشعبي والحالة الإصلاحية على اختيار الشعب لممثليه في البرلمان.