«الوطني»: آفاق نمو أسعار النفط في 2024 أبعد ما تكون عن الوضوح
أفاد تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني بأن آفاق نمو أسعار النفط عام 2024 أبعد ما تكون عن الوضوح، إذ يؤكد التباين الشديد لتوقعات الطلب على النفط العام المقبل حالة عدم اليقين المحيطة بأساسيات سوق النفط مع بداية عام 2024، وقد يؤدي تراجع معدلات التضخم في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تحقيق «الهبوط الناعم» في الولايات المتحدة، وربما يؤدي ذلك بدوره إلى تيسير السياسة النقدية بوتيرة أسرع، مما قد يؤثر إيجاباً على الطلب على النفط.
كما ستبقى إمدادات النفط تعتمد على سياسات «أوبك» بعد انتهاء فترة خفض حصص الإنتاج الطوعية في الربع الأول من العام الحالي، في ظل تباطؤ نمو العرض من خارج «أوبك»، وتشمل المخاطر التي تهدد توقعات الطلب على النفط نمو الاستهلاك بوتيرة أقوى من المتوقع في الهند والشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يقابله تباطؤ النشاط الاقتصادي في الدول التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
أما من جهة العرض فتعتبر تخفيضات «أوبك» العامل الرئيسي لارتفاع الأسعار بدعم من إمكانية فرض عقوبات أميركية أكثر صرامة على صادرات النفط الخام الإيراني، نظرا للتطورات الجيوسياسية الأخيرة، وكلاهما يفوق تأثير (تباطؤ) نمو إنتاج النفط الخام الأميركي. وبناء على ذلك، نتوقع أن يصل سعر مزيج خام برنت إلى 85 دولارا للبرميل عام 2024، أي أعلى بقليل من توقعات أطراف أخرى البالغة في المتوسط 82.6 دولارا للبرميل، وأعلى من الأسعار الحالية.
وتراجعت أسعار النفط بنهاية عام 2023، مواصلة فقدان الزخم بعد أن طغت مخاوف الطلب على المخاطر الجيوسياسية وتوقعات خفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع في عام 2024، وأنهت العقود الآجلة لخام برنت تداولات ديسمبر عند 77 دولارا للبرميل (-7% على أساس شهري)، متراجعة للشهر الثالث على التوالي، لتنهي تداولات 2023 بانخفاض نسبته 10.3%، في تناقض حاد مع المكاسب المسجلة عام 2022 بنسبة 10.4%، كما أنهى خام التصدير الكويتي تداولات الشهر عند 79.6 دولارا للبرميل (-8.9% على أساس شهري، -3% منذ بداية عام 2023).
وكانت الأسعار ارتفعت خلال الشهر نتيجة الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، مما تسبب في تحويل مسار العديد منها لطرق أطول وأكثر كلفة حول افريقيا، هذا لجانب تزايد الآمال المتعلقة بأن يشهد العام الحالي اتجاه البنوك المركزية إلى خفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع، وفي وقت أقرب مما كان متوقعاً في السابق، في أعقاب صدور بيانات التضخم بالولايات المتحدة وأوروبا، والتي كانت أقل من المتوقع بصورة مفاجئة، إلا أن التوجهات الهبوطية الناجمة عن تراجع المخاوف الجيوسياسية في ظل استئناف عمليات الشحن عبر البحر الأحمر سادت السوق في نهاية المطاف.
وكشفت بيانات العقود الآجلة لخام برنت وعقود الخيارات عن تحول في مراكز المتداولين، إذ اتخذ صافي الفروقات للمراكز الطويلة (الفروق بين عدد عقود الشراء والبيع على المكشوف) اتجاها معاكسا بصورة مفاجئة بتسجيله زيادة حادة بنسبة 59% على أساس أسبوعي ليصل إلى 155 ألف عقد (بنهاية الأسبوع المنتهي في 19 ديسمبر)، ويعزى هذا التحول إلى تراجع عدد عقود المراكز القصيرة، والتي كانت سائدة منذ منتصف أكتوبر الماضي.
كما ساهم تباطؤ التضخم الملحوظ (انخفض إلى +2% على أساس سنوي في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو) ومرونة بيانات الاقتصاد الأميركي (نما الناتج المحلي في الربع الثالث من 2023 بنسبة 4.9% على أساس سنوي) في تعزيز آمال تحقيق «الهبوط الناعم» مع إمكانية تحول السياسة النقدية لموقف أكثر تيسيرا، مما سيدعم الاقتصاد في عام 2024 بعد نحو عامين من أسعار الفائدة المرتفعة.
وقامت وكالة الطاقة الدولية، مستشهدة بمرونة الاقتصاد الأميركي وانخفاض أسعار النفط، بتعديل توقعاتها للطلب على النفط عام 2024، إذ قدرت النمو بنحو 1.1 مليون برميل يومياً (+130 ألف برميل يوميا)، ويعتبر هذا المستوى أقل من نصف معدل النمو الذي توقعته الوكالة لعام 2023 والبالغ 2.3 مليون برميل يومياً، وتعكس هذه التوقعات عوامل التباطؤ التي تواجه الاقتصاد العالمي بما في ذلك عودة استهلاك النفط الصيني لمستوياته الطبيعية بعد الانتعاش القوي الذي شهده في عام 2023.
ورغم ذلك، لم تجمع آراء المحللين على تحديد المعدل المتوقع لنمو الطلب على النفط في عام 2024، إذ تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يصل النمو إلى 1.3 مليون برميل يومياً، إلا أن ذلك المعدل يفترض مقارنة بخط أساس أقل للتوقعات السابقة، في حين تتوقع «أوبك» أن يصل معدل النمو إلى 2.2 مليون برميل يومياً، فيما يبدو غير منطقي، نظراً للقرار الذي اتخذته المجموعة في أواخر نوفمبر بخفض الإمدادات بدعوى موازنة ضعف الطلب.
وعلى صعيد العرض، كشفت بيانات مصادر أوبك الثانوية ووكالة ستاندرد آند بورز غلوبال عن انخفاض إجمالي إنتاج أوبك وحلفائها (الأعضاء المقيدون بخفض حصص الإنتاج) إلى 35.8 مليون برميل يومياً (-153 ألف برميل يومياً) في نوفمبر الماضي، وجاء العراق (-77 ألف برميل يومياً) وأنجولا (-38 ألف برميل يومياً) في صدارة الدول التي خفضت إنتاجها.
كما قامت الدول الأعضاء غير المقيدة بخفض حصص الإنتاج، وهي تحديدا إيران وليبيا وفنزويلا، بزيادة إنتاجها مجتمعة بمقدار 51 ألف برميل يومياً في نوفمبر، وبإجمالي قدره 0.7 مليون برميل يومياً منذ بداية 2023 حتى نوفمبر، وهو حجم إنتاج لا يستهان به، وكان له بعض التأثير في إضعاف جهود «أوبك» الرامية إلى تقليص الامدادات.