في وقت أتمت حرب غزة غير المسبوقة شهرها الثالث أمس، وسط تحذيرات أممية من أن القطاع الفلسطيني بات منطقة للموت وغير قابل للسكن، بدأ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، جولة دبلوماسية جديدة في الشرق الأوسط، في محاولة لوقف اتساع نطاق الصراع في غزة إلى الضفة الغربية، التي تحتلها إسرائيل، ولبنان وممرات الشحن في البحر الأحمر قبالة اليمن.
وأجرى وزير الخارجية الأميركي مباحثات في إسطنبول مع نظيره التركي هاكان فيدان، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، أعقبها لقاء مع الرئيس رجب طيب إردوغان، ركز على مناقشة الحرب بين الدولة العبرية وإسرائيل والأزمة الإنسانية المترتبة عليها، أمس، قبل أن يغادر إلى اليونان، ثاني محطة بجولته الإقليمية الرابعة منذ بدء الصراع الذي أدى إلى مقتل 22722 فلسطينيا وإصابة 58166.
وتتضمن حقيبة بلينكن المثقلة بالملفات خلال جولته التي تشمل إلى جانب إسرائيل، الإمارات والأردن والسعودية والضفة الغربية ومصر، مناقشة مستقبل غزة بعد الحرب، والتهديدات التي تتسبب فيها هجمات جماعة «أنصار الله» الحوثية في البحر الأحمر ضد السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى الأراضي المحتلة، فضلا عن وضع خطوط حمر لحكومة الحرب الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو، التي يطلق وزراء بها تصريحات تحريضية لتشجيع تهجير سكان غزة طواعية.
وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في أعقاب وصول بلينكن إلى إسطنبول، ليل الجمعة، أن أنقرة تعتزم الاضطلاع بدور حاسم في معالجة قضايا أمنية إقليمية، بما في ذلك منع الصراع من الانتشار خارج القطاع الفلسطيني المحاصر والمعزول عن الضفة الغربية.
تحذير بوريل
وفي بيروت، شدد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، على ضرورة تهدئة التوترات المتصاعدة بين «حزب الله» وإسرائيل، خاصة بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لـ «حماس»، صالح العاروري، في معقل الحزب المدعوم من إيران بالضاحية الجنوبية لبيروت، الثلاثاء الماضي.
وقال بوريل، الذي التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب: «من الضروري للغاية تجنّب جر لبنان إلى نزاع إقليمي»، مخاطباً في الوقت ذاته الإسرائيليين بالقول «لن يخرج أحد منتصراً من نزاع إقليمي».
وفي وقت سابق قال بوريل إن «الأولوية هي تجنّب التصعيد الإقليمي، وتعزيز الجهود الدبلوماسية بهدف تهيئة الظروف للتوصل إلى سلام عادل ودائم بين إسرائيل والفلسطينيين ودول المنطقة».
ضربة وتحذير
وتزامن لقاء بوريل وميقاتي مع عدة هجمات لحزب الله أمس كان أكبرها الإعلان عن إطلاق 62 صاروخا باتجاه قاعدة ميرون للمراقبة الجوية الإسرائيلية، مشدداً على أنها أتت «في إطار الرد الأوّلي» على اغتيال العاروري.
في المقابل، قال جيش الاحتلال الذي رفع حالة التأهب على الحدود الشمالية منذ عملية الاغتيال الذي أشاد بها دون أن يتبناها، إنه رصد إطلاق حوالى 40 صاروخا من الأراضي اللبنانية، مضيفاً أن قواته ضربت خلية مسؤولة عن بعض عمليات إطلاق الصواريخ في الضربة المكثفة.
كما انطلقت صافرات الإنذار في بلدات ومدن بشمال إسرائيل وفي هضبة الجولان المحتلة، بعد اختراق طائرة مسيّرة قادمة من سورية للأجواء.
شكري وكولونا
وفي القاهرة، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال اتصال هاتفي مع نظيرته الفرنسية كاترين كولونا، ضرورة اضطلاع الأطراف الدولية بمسؤولياتها تجاه دعم تحقيق الوقف الشامل والدائم لإطلاق النار في غزة لإنهاء الوضع الإنساني المأسوي الذي يعانيه الفلسطينيون.
وشدد شكري على رفض مصر القاطع لأي إجراءات أو تصريحات تشجع على مغادرة الفلسطينيين خارج أراضيهم، مطالباً بضرورة توقف التصريحات غير المسؤولة والتحريضية التي أكد المجتمع الدولي والدول الكبرى والأمم المتحدة رفضها جملةً وتفصيلاً.
وجاءت التحركات الأميركية والأوروبية لاحتواء تمدد حريق غزة إقليميا بموازاة إسقاط طائرات فرنسية وأردنية 7 أطنان من المساعدات على مستشفى ميداني في خان يونس جنوب القطاع الفلسطيني، قرب الحدود المصرية.
ضحايا وموت
وأمس، ذكر مسؤولون فلسطينيون أن نحو 162 من سكان غزة قتلوا خلال الساعات الـ 24 الماضية جراء القصف الجوي والبري والبحري الإسرائيلي.
وتواصلت المعارك العنيفة بين جيش الاحتلال وعناصر حركتَي حماس والجهاد بعموم مناطق القطاع، فيما أفاد الجيش بأنه ضرب أكثر من 100 هدف في أنحاء غزة، وقال إنه قتل مسلحين حاولوا مهاجمة دبابة في البريج وآخرين في خان يونس.
وأججت الحرب في غزة الذي تديره «حماس» منذ عام 2007، العنف في الضفة الغربية التي تحكمها حركة فتح، وهي منطقة أخرى تحطمت فيها آمال الفلسطينيين في إقامة دولة منذ انهيار أحدث جولة من المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة للتوصل إلى حل عام 2014.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن فتى (17 عاما) قتل وأصيب 4 برصاص القوات الإسرائيلية في بيت ريما، ليرتفع بذلك عدد قتلى الضفة منذ بدء الحرب إلى أكثر من 300 فلسطيني.
في هذه الأثناء، حذّر منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، من أن القطاع الفلسطيني المكتظ بـ 2.3 مليون نسمة بات «بكل بساطة غير صالح للسكن».
وقال في بيان: «بعد 3 أشهر على هجمات 7 أكتوبر الفظيعة، باتت غزة مكانا للموت واليأس، ويواجه سكانها تهديدات يومية على مرأى من العالم».
وبينما قالت منظمة يونيسيف إن أطفال غزة يواجهون تهديداً ثلاثياً يتمثل في تفاقم الصراع، وسوء التغذية، وانتشار الأمراض، جدد مسؤول الإغاثة الطارئة لدى الأمم المتحدة تحذيره من أن المجاعة «قاب قوسين أو أدنى».