الكتلة الإبراهيمية الجديدة... ونقطة آخر السطر
أول من أطلق من الساسة الكبار مفردة «الإبراهيمي» في هذا العقد هو الرئيس دونالد ترامب، يوم 13 أغسطس 2020، «ليجمع اليهود» باعتبار أننا جميعاً أبناء إبراهيم، قبلها سارعت جامعة هارفارد بعمل دراسة ميدانية عام 2000 وطورتها عام 2004 عبر مسار جديد للسياحة الدينية يحمل اسم «مسار إبراهيم»، والفكرة صار لها أنصار ومريدون واستخدامات سياسية لا تخفى على أحد بعد أن تحدد «الشرق الأوسط» المكان الأفضل لتطبيقها.
«الدين الإبراهيمي» تم إلباسه ثوباً جديداً، عنوانه «السلام العالمي» و«الأخوة الإنسانية»؟ وقد استبعدت الدعوة الأسباب التاريخية التي تتعلق بالأرض والتاريخ بشأن الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي بل راحت تبحث عن «هوية جديدة» طالما كنا أبناء عمومة فلا مجال للتنازع، إذاً لتكن الإبراهيمية مدخلاً للتطبيع وقبوله تحت شعار «السلام من أجل السلام»؟
الإبراهيمية قفزت فوق حدود الصراع التقليدي بين إسرائيل وفلسطين، وأصبحت رافعة دولية لأخذ المنطقة إلى مسار آخر يقوده «الوسيط اليهودي»، هكذا يتحدث عدد من الباحثين العرب والمصريين تحديداً وعندهم أن فكرة الإمبراطورية اليهودية التي توجت بخلق الكيان الإسرائيلي قد فشلت من وجهة نظرهم، وبالتالي ليس أمام اليهود من فرصة للخروج من الورطة إلا أن يؤدوا دور الوسيط، وكي يدخلوا الشرق العربي لابد من الولوج إليه من بوابة الحضارة الإنسانية، طبعاً هذه الرؤية ترسم مستقبل المنطقة بعد انتهاء الحرب في غزة كما يزعمون ويتراءى لهم.
هؤلاء المنظرون يربطون دور اليهود بانتهاء الرافعة الأميركية والأوروبية التي باتت على وشك الأفول والاختفاء في السنوات القليلة القادمة. الكتلة الحضارية الإبراهيمية ستتولى تأسيس تفاهم يناط بالمسلمين والمسيحيين واليهود وبالتعاون مع القوة الآسيوية الصاعدة والقائمة على مبدأ كونفوشيوس، خلاصة: «أنا وأنت لنا مصالح ومنافع مشتركة» وهو بخلاف مبدأ الهيمنة والعظمة الأميركية، وسيجنح هذا التحالف نحو السلم والتنمية أكثر مما يجنح نحو الحرب. يراهن هؤلاء المثقفون والنخب على أنه لا بد من عودة اليهود مرة ثانية إلى تأدية دور الوسيط ويسمونهم «الأقلية الوسطية» عبر التاريخ، فقد أخذت هذه الأقلية سابقاً ثمار الحضارة الإسلامية وأوصلتها إلى أوروبا.
المسيحيون الغربيون اختاروا اليهود أن يبقوا جماعة «وسطية» في المنطقة كممثلين، وسيدرك هؤلاء أنه ليس لهم إلا دور الوسيط ومهمته نقل خصائص التقدم الغربي إلى المنطقة.
اليهود- تعني بشكل أو بآخر إسرائيل- سيعودون إلى دورهم القديم كوسيط بين الحضارات لأن مشروع الإمبراطورية الإسرائيلية الاستيطاني الذي توهموا أنه سينجح وبرع فيه بن غوريون قد سقط على الأرض، واليهود مؤهلون لحمل شعار التقدم العالمي لأنهم على اتصال بهم ولديهم القدرة على التمويل ومعهم عدد من بلدان الخليج العربي.
رؤية تتداول وبشكل محدود بين عدد من الباحثين المصريين، وتتناغم مع دعوات أكاديمية تخرج من جامعات مرموقة في الغرب تثير الغبار وتتلقفها دوائر وجهات إسرائيلية، وأخرى خليجية ترى فيها ملعباً حيوياً نحو تكوين «جبهة إبراهيمية» يفتشون لها عن ركائز تضخ فيها دماً جديداً وسط صراع البقاء بين المشروع الصهيوني الاستيطاني وبين حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على الأرض والهوية.