هناك حقيقة أن أهمية التعليم مسألة لم تعد محل جدل أو شك في تقدم الشعوب والأمم، بل إن الدول المتقدمة تضعه في أولوية برامجها وسياستها وأهدافها الاستراتيجية، ويحتل التعليم مكانة بارزة في اهتمامات الساسة والقادة، كما يعد سلاحاً حاسماً لتغيير الواقع ومواجهة المستقبل، ومما لا شك فيه أن الدولة لا يمكن أن تتطور إلا من خلال العلم والعلماء، والعلم لا يأتي إلا بعد بذل الجهد والجد والتعب والمثابرة والصبر وسهر الليالي.
وكما يعرف الجميع أن العلم نور، يرفع من قيمة الإنسان واحترامه ومكانته بين البشر، بينما الجهل ظلام يهدم ما بناه العلم والعلماء من تقدم ونمو، بل إن الجهل يطمس ويشوه كل جميل ومفيد قد خطه أو جلبه العلم والعلماء لخير البشرية، وقد قال الشاعر:
العلم يبني بيوتاً لا عماد لها
والجهل يهدم بيت العز والكرم
لذلك نجد أن الدول والأمم والشعوب التي سادت العالم كانت تحرص كل الحرص على التعليم وتقدير العلم والعلماء، بل إن الدول التي قادت العالم قد حرصت على أن تستثمر مواردها المالية بتعليم أبنائها منذ الصغر، حيث إنها تؤمن بمقولة: «العلم في الصغر كالنقش على الحجر».
ونظراً للتطور الذي شهده العالم فقد أنيطت مهمة التعليم في دولة الكويت بمؤسسات نظامية ورسمية متخصصة استُثمرت فيها ميزانيات مالية هائلة وجيش كبير من المدرسين والمدرسات وطاقم تعليمي إداري وفني ومرافق تعليمية متعددة ومتنوعة، وتم جلب العديد من المتخصصين في المجالات العلمية والتربوية المختلفة لهذه المؤسسات التعليمية من العديد من الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية المتخصصة في مجال العلوم والتربية، كما تم إرسال العديد من أبناء وبنات الكويت مع بداية استقلال الدولة في بعثات دراسية لاستكمال دراساتهم العليا في الدول المتقدمة بمختلف التخصصات والمجالات العلمية كي يساهموا في بناء بلدهم بعد أن ينهلوا من منابع العلم والمعرفة والتكنولوجيا الحديثة في مختلف بقاع العالم.
وكان من المتوقع في ظل اهتمام الدولة وتشجيعها للعلم والعلماء ودعم التعليم بمراحله المختلفة، أن تكون النتائج مزيداً من التنمية البشرية وخدمات تعليمية متميزة وتحصيل علمي متقدم!! إلا أن الواقع الذي يعيشه المواطن الكويتي يظهر عكس ذلك تماماً!! فقد ابتلينا بمستوى تعليم متدنٍّ في ظل تكلفة مالية عالية وطلبة علم غير راغبين في التعلم ومدرسين غير راغبين في التعليم في ساعات الدوام الرسمي، وينتظرون انتهاء ساعات الدوام الرسمي كي يبدؤوا عملهم الفعلي من خلال إعطاء الدروس الخصوصية المستمرة لساعات متأخرة من الليل!! وطاقم إداري ينتظر الراتب الشهري وفرص الترقي والإجازات والعطلة الصيفية بشوق ولهفة.
وأحب أن أوكد أن هذا الوصف لا ينطبق على جميع الطلاب والطالبات والمربين الفاضلين والمربيات الفاضلات في جميع المؤسسات التعليمية، حيث إن هناك العديد من الطلبة الراغبين والجادين في طلب العلم، وهناك العديد من المدرسين والمدرسات الذين يبذلون أكثر من طاقاتهم في سبيل تأدية مسؤولياتهم وواجباتهم الوظيفية والتربوية بكل أمانة وصدق، ونحن نجل ونقدر ما يقومون به من أعمال جليلة في المجال التعليمي والتربوي بالرغم من البيئة التعليمية الطاردة، وعدم التقدير لهذه الجهود الجبارة سواء من أولياء أمور بعض الطلبة أو من بعض المسؤولين على مستوى الدولة!!
لذا لم يجد الأباء وأولياء أمور الطلبة، في ظل هذا الوضع المتردي للتعليم، مفراً من مسايرة الظروف التعليمية المتردية، حيث أصبحت الدروس الخصوصية هي الحل الوحيد للظفر بالحد الأدنى من التعليم سواء عن طريق مؤسسات خاصة أو مدرسين خصوصيين يتحكمون بأسعار هذه الدروس بدون رقيب أو حسيب!!
وكأن الاعتقاد لدى بعض أولياء الأمور أن هذه المشكلة مؤقتة وتخص مرحلة تعليمية محددة وظرف سيزول مع الوقت، حيث إن الدولة ممثلة بوزارة التربية والتعليم العالي والجهات الرسمية ذات العلاقة غير غافلة عن هذه المشكلة وستقوم بدورها ومسؤولياتها الوطنية لمعالجة هذا الخلل!!
فهل صدق تحليل أولياء الأمور بأن هذه المشكلة مؤقتة وستزول مع مرور الزمن؟!! هذا ما ستتم الإجابة عنه في الجزء الثاني من مقال «مافيا التعليم في الكويت».
ودمتم سالمين.