من يسمع عن كراماتنا في بلد الطرشان؟
ليست الزاوية الصحافية مكاناً لاستعراض هموم خاصة للكاتب، ولا يصح أن يستغلها صاحب الزاوية للتوسل والتسول لمرضاة الخشب المسندة في إمبراطورية الموظفين الخامدة، أو للحصول على منفعة من أصحاب السلطة والنفوذ، لكن حين تكون المسألة تمس حقوق الإنسان وتنتهك كرامة البشر فهنا المسألة مختلفة.
عرضت حكايتي قبل فترة بهذه الزاوية حول مكالمة تلفونية تلقيتها من مجهول في إدارة المرور يخبرني أن هناك إخبارية عني بأنني - قتلت مع سبق الإصرار والترصد - آسف غلطت بالوصف القانوني، بأن سيارتي عليها شكوى من مجهول، سألته من يكون مصدر الإخبارية؟ وبأي حق تنسب لي تهمة من دون سماع أقوالي؟ وما الدليل المادي على صحة الاتهام؟ رفض الإجابة بحجة أنه غير مخول بها، اتصلت بمدير العلاقات العامة في وزارة الداخلية اللواء توحيد الكندري، ورد بعد فترة، وقال: «المسألة لا تستحق الاهتمام، فإدارة المرور حسب مباحثها الخاصة تدعي أن الرولز رايز (الوانيت) الذي أملكه يصدر أصواتاً عالية من الإكزوز، وقد انتهت المسألة حسب زعمه، ليمضي ويبعث لي بالواتساب عن الإنجازات العظمى لوزارة الداخلية...!».
المسألة باختصار هي وشاية وكذب وتغول في استعمال السلطة دون وجه حق، فالوانيت الرولز رايز لا يصدر أي صوت، والوقت الذي يزعم فيه مصدر الخبر «البطل الواشي» رجل مباحث المرور، الذي يتبع إدارة المباحث المرورية، وهي إدارة غير قانونية، ونبت شيطاني ولدت من رحم فشل إدارات المرور في الحد من حرب الشوارع القائمة من عقود لغياب حكم القانون وهيمنة دولة المحسوبيات، وخلق مثل تلك الإدارة ينتهك أبسط قواعد قانون الإجراءات الجزائية، كنت فيه تحت العلاج بمستشفيات الدولة، وليس هذا الموضوع الذي تناسيته، حسب وعد مدير العلاقات العامة بوزارة المعجزات التي غيرت مجرى التاريخ.
قبل أيام حين أراد المندوب تجديد دفاتر المركبة، أخبروه أن على السيارة «بلوك»، أي حرمان من إنجاز المعاملة وكل معاملة غيرها، لأن المتهم الهارب القاتل «العبد لله» سيارته تصدر أصواتاً عالية آذت آذان مباحث سلطة البطيخ.
بسبب حالتي المرضية، تعهدت الزوجة بالقيام برفع البلوك وإجراء ما تفرضه إدارة المرور. بالأمس ذهبت لتلك الإدارة، ومن غرفة لغرفة أخرى، ومن موظف إلى موظف، ومن دور إلى دور آخر، وجري متواصل بدهاليز الضياع الإدارية، وتسليمها أوراق تحقيق وتوقيعات وأختام ثم موظف آخر وأختام وتوقيعات في دور آخر، وبعد فحص السيارة من الفني الذي قطع بأن السيارة وصاحبها بريئان من التهمة، قالوا لها: ما يدرينا أنه قد أصلح الإكزوز المزعج الآن... طبعاً لا ثقة في الإنسان... والمتهم مدان حتى تثبت براءته!
يمضي الزمن بلا حساب في بلد تغيب به أهمية الزمان، وينتهي العمل، ويطلب منها العودة في يوم آخر لإتمام الإجراءات، ذهبت اليوم الاثنين 8 يناير (وقت كتابة هذا المقال) لإدارة المرور، فأخبروها أنه لا بد من توقيع مدير الإدارة، وهو الآن ليس موجوداً، فعنده اجتماع «بره» تعالي غداً...!!
لماذا لم يفوض سعادة المدير ضابطاً آخر لإنهاء عذاب البشر؟ ولماذا يحتكر هذه السلطة المركزية التعيسة؟ وهل انتهت قضايا وهموم خلق الله حتى تتوقف حسب مزاج ووقت ومشاغل الكبير الآمر الناهي بدولة الموظف العام...؟ ألا تخجلون...؟ ألا تستحون؟ ماذا بقي من كرامتنا حين تسحق تحت أقدامكم؟ وهل هناك أمل في إصلاح هذا الدمار البيروقراطي؟ وهل هناك حل آخر غير هدم هذا البنيان البيروقراطي العاجز عن الإنتاج والعمل على رأسه والشروع في خلق إدارات ومؤسسات جديدة ليست بها أمراض الإدارات السابقة؟ هل هناك من ينصت في بلد الطرشان؟