توقفنا في الجزء الأول من مقال «مافيا التعليم في الكويت» عند اعتقاد أولياء أمور الطلبة أن مشكلة التعليم مشكلة مؤقتة ستزول مع مرور الزمن، لكن ظن أولياء الأمور خاب، فلم تكن المشكلة مؤقتة أو تخص مرحلة تعليمية معينة!! بل إن المرض السرطاني للدروس الخصوصية قد انتشر بشكل واسع من مرحلة الثانوية العامة إلى المرحلة المتوسطة ثم الابتدائية، وارتقى هذا المرض السرطاني بعد ذلك إلى مستوى المعاهد والجامعات، بل تعدى ذلك ليصل إلى حملة الماجستير والدكتوراه!!
إنها مافيا وسرطان التعليم الذي يبدأ بدروس خصوصية ثم يتطور وينتشر بسرعة وبشكل واسع ليشمل جميع الخدمات والشؤون التعليمية والبحثية «دروس خصوصية وملخصات دراسية لكل المراحل التعليمية، بحوث، اختبارات لغة انكليزية، اختبارات دراسات عليا (GMAT، GRE)، اختبارات قدرات عامة، وبحوث ورسائل ماجستير ودكتوراه، وخدمة التدريب على كيفية مناقشة رسالة الماجستير أو الدكتوراه». وتصميم مشروع علمي وبحثي متكامل، وبحوث ودراسات للنشر في مجلات علمية متخصص ومحكمة لغرض الترقية الأكاديمية) كل هده الخدمات التعليمية والبحثية والعلمية متوافرة مقابل مبلغ من المال يدفع لناشر وناقل السرطان التعليمي (مافيا التعليم) في بلد المال والأعمال والتنمية من المرحلة الابتدائية حتى حصوله على درجة الدكتوراه، وحصوله على الترقية في مجال وظيفته حيثما كانت وأينما يكون!! كيف يتم ذلك؟! الشرح يطول والوسائل المستخدمة متعددة ومتنوعة وملتوية، محلية وإقليمية ودولية لها جيش متخصص ومؤسسات تعج بالمتخصصين في كل مرحلة من مراحل التعليم من الابتدائي إلى الدكتوراه، وحسب نوع الخدمة العلمية أو التعليمية أو البحثية المطلوب إنجازها، يمارس هؤلاء المتخصصون والمؤسسات أنشطتهم وأعمالهم تحت غطاء ونشاط بعض مؤسسات الخدمات التعليمية وبعض مكاتب الترجمة والطباعة والنشر، وتعليم اللغات الأجنبية، إنه عالم منظم وجريمة منظمة ترتكب بحق هذا الوطن المسكين في ظل رقابة ومتابعة شبه معدومة ومستقبل مجهول!
البعض سيتهمني بالمبالغة بالأمر!! وأقول بأنني لا أبالغ في ذلك وأن الأمر خطير جداً وهذا لا يعني أن الجميع قد غرق في هذا الوحل وأصيب بهذا المرض الخطير ولكن البيئة الكويتية بيئية حاضنة وجيدة لإنتشار هذا السرطان التعليمي!!والمراقبة من قبل الجهات التعليمية والمؤسسات الرسمية لهذه الانشطة، مع الأسف الشديد، شبه غائبة أو مغيبة!! فكيف لا ينتشر هذا المرض السرطاني مع مرور الوقت وفي المجالات كافة، حيث الوفرة المالية، واستسهال الأمر من الباحث عن هذه الخدمات وعدم خوف مقدمي هذه الخدمات، وغياب الرقابة والمتابعة من البيت والمدرسة والمؤسسات الرسمية المعنية بالأمر؟!!
بعد هذا كله كيف تريدون من الدولة أن تتقدم وتتطور!! كيف وقد تآكل ومرض أهم عمود من أعمدة البناء والتنمية البشرية وهو عمود التعليم منذ المراحل الدراسية الأولى، وهدم الإنسان أهم عناصر التنمية البشرية منذ طفولته؟ فبدلا من أن يكون المال عوناً وسنداً فلقد استخدم المال في هدم التنمية ومقوماتها!!
التعليم في خطر، التعليم في خطر، التعليم في خطر، أكررها ثلاثاً!! والقيم في خطر!! ومؤسساتنا التعليمية والتنموية في خطر!!
أتمنى أن نعمل شيئا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى لنا من أبناء ومدرسين وموظفين ومواطنين مخلصين لا يزالون يقاومون هذا المرض السرطاني الخبيث وجيوش مافيا التعليم والممارسات المشبوهة لأنشطة بعض مؤسسات الخدمات التعليمية وبعض مكاتب الطباعة والترجمة والنشر التي تنشر سمومها بين فئات المجتمع كافة! إن التحرك السريع والمخطط له من أعلى المستويات في الدولة مطلوب حتى نحد من «مافيا التعليم» ونخفف من الآثار السلبية لهذا المرض السرطاني وكذلك حتي نستطيع أن نلحق بالعالم المتقدم الذي يضع الإنسان والعلم والمعرفة والتنمية البشرية من ضمن أولوياته وغاياته وأهدافه الاستراتيجية.
ودمتم سالمين.