قمة المناخ 28... عهد «الغليان الحراري العالمي» الحياة أو الموت!
تُعدّ الأزمة المناخية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في الوقت الحاضر، إذ يؤدي تغيّر المناخ إلى آثار كارثية على كل من يوجد على الكرة الأرضية، والى تطرف مناخي يبرر القلق على التنوع البيولوجي والأمن الغذائي ووفرة المياه العذبة وتوازن النظم البيئية الحيوية، مما يستدعي الإسراع الى اتخاذ التدابير التي تحول دون ذوبان الجليد في المدارات القطبية والغرق الكلي أو الجزئي للجزر والمدن الساحلية، وتكرار واشتداد قوة الأعاصير المدارية، وزيادة رقعة التصحّر... إلخ.
ولمواجهة هذه التحديات العالمية تحاول الدول تنظيم جهودها وتنسيقها في مؤتمرات دولية متخصصة لمناقشة الحلول وتحمّل الالتزامات ذات الصلة، ويلفت في السياق أن الموضوع الوحيد الذي خصصت له الأمم المتحدة ما يقارب ثلاثين قمة هو موضوع «المناخ»، وأقربها انعقاداً قمة COP28 لمؤتمر أطراف الأمم المتحدة المعنية بتغيّر المناخ التي استضافتها مدينة (إكسبو دبي) في 12 ديسمبر 2023، وأعلن في ختامها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم لسد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة مناسبة.
يأتي ذلك مع استمرار الاتجاه المتصاعد لاحترار كوكبنا الأزرق نتيجة الزيادة المستمرة في تركيزات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، والتي وصلت الى مستويات غير مسبوقة منذ عصر «ما قبل الصناعة»، وهذا ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة للتصريح أن «عصر الاحتباس الحراري انتهى وبدأ عهد الغليان الحراري العالمي»، معتبراً أن قساوة المناخ الملتهب ستجعل البشرية تعيش في «كارثة» كونية.
وفي السياق نقرأ على الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة خبراً منسوباً إلى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية مفاده أن متوسط درجة الحرارة العالمية لشهر يوليو 2023 بلغ أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق منذ 120 ألف سنة على الأقل، كما تم تحطيم الأرقام القياسية لدرجات حرارة سطح البحر العالمية بارتفاع بلغ حوالي 0.51 درجة مئوية فوق المتوسط الأعلى تاريخياً والمسجل في عام 1991-2020!
****
ركز مؤتمر الأطراف «COP28» بشكل رئيس على تسريع التحول الطاقي وتقليل الانبعاثات بشكل ملموس قبل عام 2030 وتقليل اعتماد العالم على الوقود الأحفوري، كما ذكّر بأولوية الوفاء بالوعود السابقة، ووضع إطار عمل لاستراتيجيات تمويل مناخي جديدة، مع التركيز على دعم الدول النامية، وهذا ما يعد امتداداً لجهود وقرارات القمم السابقة ومن أبرزها قمة غلاسكو 2021 التي نتج عنها ميثاقاً عالمياً خاصاً بالمناخ اعتبر الحل التوافقي الأنسب الذي كان بالإمكان التوصل اليه في ظل التناقض، بالمواقف بين الدول المدافعة عن مصالحها الاقتصادية والصناعية والاتجاهات الجادة بالسعي نحو المحافظة على بيئة مستدامة للأجيال القادمة.
ومع اتفاق المؤتمرين في غلاسكو على إعلان «حالة الاستنفار والقلق البالغ» كرروا تأكيد التزامهم باتفاقية باريس للمناخ الموقعة بتاريخ 12 ديسمبر 2015 بهدف الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى تخفيضها لـ1.5 درجة، تسريع العمل على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45% والالتزام بوقف فقدان الغابات وتدهور الأراضي، ودعوة جميع البلدان إلى تقديم خطط عمل وطنية جدّية بشكل متوازٍ مع تعزيز «شبكة سانتياغو» التي تربط الدول المعرضة للخطر بمقدمي المساعدة التقنية والمعرفة والموارد لمعالجة مخاطر المناخ.
***
على الصعيد الكويتي انضمت الكويت لمجموعة مهمّة من الاتفاقيات الدولية والإقليمية المعنية بالشأن البيئي نذكر منها وفق تسلسل إقرارها التاريخي: اتفاقية الكويت الإقليمية للتعاون في حماية البيئة البحرية من التلوث والبروتوكول الخاص بالتعاون في مكافحة التلوث بالزيت والمواد الضارة الأخرى في الحالات الطارئة لعام 1978، اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون لعام 1985، اتفاقية التنوع البيولوجي 1988، اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود لعام 1989، اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ 1992، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في البلدان التي تعاني الجفاف أو التصحر 1994، اتفاقية استوكهولم الخاصة بالملوثات العضوية الثابتة لعام 2001، النظام الموحد بشأن المواد المستنفذة لطبقة الأوزون لدول مجلس التعاون الخليج لعام 2014... إلخ.
وقد أكد الوفد الكويتي الرسمي المشارك في مؤتمر الأطراف «COP28» أن الكويت تولي إدارة ملف تغير المناخ على المستوى الوطني أهمية قصوى، من خلال وضع برامج وخطط كفيلة بالحد من الانبعاثات، واستراتيجيات تنموية منخفضة الكربون في قطاعاتها الرئيسة ومنها: النفط والغاز والطاقة والنقل والصناعة، واستخدام الأراضي، وتعزيز الزراعة، مشيرا إلى أن هذه الاستراتيجيات تتضمن خريطة طريق لتحقيق نمو اقتصادي مستدام باستخدام حلول تقنية مبتكرة متكاملة في مجال اقتصاد الكربون الدائري.
ومن منطلق جهود الكويت للتصدي لآثار ظاهرة التغير المناخي عالمياً، تكفل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بتمويل حزمة من المشاريع الإنمائية الخضراء في (105) دول بقيمة إجمالية بلغت أكثر من (23) مليار دولار منها نحو (523) مليونا في السنوات العشر الأخيرة.
وفي السياق سبق أن قدمت الكويت الى الأجهزة الأممية المعنية بتنفيذ التعهدات الدولية بشأن المناخ «خطة التكيف الوطنية لدولة الكويت 2019-2030» التي تتضمن تحليلاً للسيناريوهات الأساسية والمتوقعة مناخياً مع تحليل آثارها على قطاعات محددة، والتركيز على الإجراءات الوطنية اللازمة للتكيف مع تغيُّر المناخ في الكويت، بما يتطلبه ذلك من بناء القدرات وتعزيز القدرة على الصمود أمام آثار التغيّر المناخي، وبما يستلزم دمج قضايا التكيف مع تغيُّر المناخ في السياسات والبرامج والأنشطة في جميع القطاعات ذات الصلة.
***
كل ذلك، يبقى حبراً على ورق، ما لم تقم الدول بواجباتها وما لم نستمع- أفراداً وجماعات- لصرخة الأمين العام للأمم المتحدة التي أطلقها على أثر دخول الأرض «عصر الغليان» هذا الصيف منبهاً أنه «لا للمزيد من التردد... لا للمزيد من الأعذار... لا للمزيد من انتظار الآخرين للتحرك أولاً».
المحافظة على البيئة ومكافحة التغير المناخي هما مسؤولية مشتركة يمكن للجماعات فيها كما الأفراد أن يقدموا من خلالها إسهامات قيمة تبدأ بترشيد استهلاك المياه ولا تنتهي عند تقليل الاستخدام المفرط للطاقة المتولدّة من مصادر غير متجددة، مروراً بالحد من إنتاج النفايات والتعوّد على فرزها وإعادة تدويرها... هذا بالإضافة الى دور الدول والمؤسسات في توسيع مروحة الحملات التوعية وتشجيع الأنشطة المجتمعية ذات الصلة بالبيئة ومكافحة التلوث، وتعميم المعارف والمعلومات حول السلوكيات البيئية المستدامة وتأمين كل وسائل الدعم والتحفيز للملتزمين بها.
إن التبني الجماعي لأسلوب حياة مستدامة وترسيخ ثقافة الالتزام بالسلوكيات الصديقة للبيئة لم تعد رفاهية بل ضرورة «حياة أو موت»، والقول في ذلك يطول.
* كاتب ومستشار قانوني