لا يمكن بأي حال من الأحوال وصف الحروب بلغة متجردة ومتعلقة بالأرقام فقط، بل تستخدم الأرقام والإحصاءات والحسابات من أجل تقريب الصورة لا أكثر، فهناك الأرواح التي تزهق والذكريات التي تمسح والجانب الإنساني الذي يصعب على أي أحد أن يجعله مجرداً، ومن جانب آخر، ولما كانت لهذه السلسلة المكونة من أربعة أجزاء طابعها العلمي الخاص، فالأرقام هنا تستخدم للتوضيح والاستدلال لا أكثر.
فالدمار البيئي ليس بأمر جديد على إخواننا في فلسطين، إذ لم يكن الوضع والحال البيئي هناك جميلاً ومستداماً بالأصل كي نتوقع التطورات الجمة، ولم تكن أحداث (الطوفان) الأخيرة إلا عاملا محفزا لتسارع الدمار البيئي أيضا، لما تكبده قطاع (غزة) من عدوان آثم على يد عناصر جيش الاحتلال الصهيوني الغاشم.
تكبد الغزاويون خسائر في الأرواح جمة نحتسبهم عند ربهم شهداء، وبحسب صحيفة (التايمز الاقتصادية) دمر الصهاينة قرابة 105 آلاف مبنى واستخدام ما يفوق 18 ألف طن من القذائف والمتفجرات والعد في تزايد يومي، وبتقديرات لا يمكننا من موقعنا أن نجزم بدقتها، فقد تكون الأرقام أكبر من ذلك بكثير، وهذا لا يشير إلا إلى أمر واحد له من الدلائل البيئية الشيء الكثير، ألا وهو تراكم النفايات الصلبة البلدية والأنقاض الإنشائية كذلك، أما عن تراكم النفايات البلدية واحتوائها على العديد من الملوثات فهذا لا يعني إلا أن نتوقع أن وجودها الآن قد لوث وما زال يلوث منذ سنين متتالية التربة بالمعادن الثقيلة والسموم المتراكمة التي قد تصل بكل سهولة الى المياه الجوفية نظراً لطبوغرافية القطاع، وكذلك تدمير الأراضي الخصبة التي دمرت فعلا منذ أحداث 2008.
والأمر لا يقل خطورة كذلك فيما يتصل بالأنقاض والنفاية الإنشائية التي هي أيضا تتسبب في تراكيز للمعادن وأكاسيدها والتسمم من جراء الزئبق أيضا، كل هذا التراكم والتهالك للبيئة الحضرية لا ينفك إلا أن يكون دماراً في دمار على مستقبل الأجيال القادمة يهدف الصهاينة الى نحرهم وتهجيرهم واغتصاب أراضيهم.
وإذا ما كان لا يوجد طرف منتصر في أي حرب البتة أينما كانت، فالبيئة ضحية لا محالة لأي نزاع حربي كذلك أينما كان، ومع القصف والعدوان ودخول فترات أكثر برودة وشدة في الأمطار، فإن الدمار الجاري على البيئة لا ينفك إلا أن يرتبط بالمياه غير الصالحة للشرب والملوثات التي تتسرب مع الأمطار، وما أشرنا إليه سابقا في هذه السلسلة من رواسب كيميائية وفسفور أبيض.
ويجب وضع مسألة في الحسبان ذات أهمية بالغة وهي أن 97% من مياه غزة أصلا غير صالحة للشرب بتاتا، فكيف للبيئة الفلسطينية بشكل عام والغزاوية بشكل خاص أن تتعافى بعد هذا كله؟! وأكرر سؤالاً سبق أن طرحته: هل ستتم محاسبة الصهاينة على أفعالهم في فلسطين خصوصاً بعد أن سقطت أوجه وأقنعة الإنسانية عند الغرب؟!!
كلنا نعرف إجابة هذا السؤال!!