وضع الاجتماعي الكويتي «عبدالله غلوم الصالح» تجربة حياته قبل عشرين عاماً في كتاب بعنوان «شرخ في جدار المستقبل»، طُبع عام 2003، الكتاب وثيقة قيمة تعرض تجربة حياته الدراسية والاجتماعية والوظيفية، وتلخص نشاطه وانطلاقه من أسرة «على حافة الكفاف» إذ كان والده، كما يصفه في الكتاب، «رجلاً معدماً لا يملك من متاع الحياة ومقوماتها سوى النضال من أجل البقاء واستمرار الوجود». الكثير من الكويتيين كانوا يعيشون الشقاء نفسه ويسكنون بيوتاً طينية مماثلة «كانت تتسم بالفوضى المعمارية».
ويضيف: «لقد عشت في أسرة ممتدة لسنوات طويلة، أسرة ضمت والديّ وأخواتي وإخواني الذين تجاوز عددهم العشرة، ولم يبق منهم على قيد الحياة سوى سبعة، بجانب أعمامي ومن يحلّون ضيوفاً علينا لفترات طويلة، لم يكن في الأسرة من يعرف القراءة والكتابة، لذا كان تفسيرهم وتحليلهم للظواهر والأحداث وما يحيط بهم تفسيراً غيبياً، وكنا نسكن جميعاً بيتاً من البيوت الطينية المتهالكة، بيتاً جاءت معالمه مشوهة ومهجنة تثير الضحك والأسى في النفس دفعة واحدة». (ص17).
الكتاب لا تنقصه مشاعر النقد والمرارة كما هو واضح! وما كاد «الصالح» يتخرج من «جامعة عين شمس» المصرية حتى وجد نفسه مشاركاً وقائداً على مدى ربع قرن 1970-1994 في نحو 12 مؤتمراً عربياً ودولياً في مجالات الشؤون الاجتماعية والعمالية، مما يجعل مساهمته من أهم النشاطات الموثقة في هذا المجال، ضمن هذا الكتاب!
التحق «الصالح» صغيراً بالمجموعة التي كانت تدرس في «كُتّاب» المربي الفاضل «محمد صالح العدساني» الدين الإسلامي والعربية والحساب، وعندما قرر مع الوقت ووجود الفرصة أن يلتحق بالمدرسة النظامية جابه معارضة شديدة غير متوقعة، من والدته! كان «الصالح» مقتنعاً، كما يقول، «بأن مستقبلي هناك وليس في هذا الكُتّاب» غير أن أسرته كانت معترضة لسبب يبدو لنا اليوم في غاية الغرابة والطرافة!
فبعض الأهالي، وبخاصة والدته الكريمة، كانوا مقتنعين، أن المدارس الحكومية، كما اعتبرتها والدته، مجرد اختيار شبه انتحاري لمن يريد لقاء حتفه في لمح البصر، حيث سألت ابنها عبدالله مستنكرة: «هل تريد يا مجنون أن تذهب إلى الحرب فتلقى حتفك في لمح البصر؟ ألا تعلم يا مخبول أن الحكومة حين فتحت هذه المدارس، وأغدقت على طلابها الطعام والملابس والكتب كان هدفها الأول والأخير أن تأخذهم إلى ميادين وساحات القتال؟!». (ص20).
كانت مشاعر الخوف من التجنيد الإلزامي وترحيل الجنود إلى سوح القتال العديدة وعدم عودتهم من المخاوف الراسخة في دول عديدة، وقد راجت إشاعات مختلفة في مراحل مختلفة عن خطط ومؤامرات تهدد الطلاب في مراحل مختلفة تحتاج إلى بحث مستقل.
كانت الكويت والعالم كله يعيش ظروف الحرب العالمية الثانية! والإشاعات والمبالغات تملأ الشوارع والبيوت، وانتصر العقل في النهاية، فدخل «عبدالله الصالح» «مدرسة النجاح» ليدرس على أيدي الأساتذة «محمد السداح» و«عبدالله حسين الرومي».
وقد ظن الصالح للوهلة الأولى أن مخاوف والدته العسكرية صحيحة عندما تغيرت ملابس الدراسة! فقد كان متحمساً للذهاب إلى المدرسة بملابس محلية، أي الدشداشة والغترة، غير أن الملابس التي وزعت على الطلاب كانت من الأصناف والألوان نفسها، «التي وزعتها وكالة غوث اللاجئين على إخواننا الفلسطينيين، بعد أن قررت دائرة المعارف تعميم الزي الإفرنجي على طلبة المدارس، سترة بدون بطانة، وبنطال فضفاض، وقميص أبيض، وحذاء أسود أو بني اللون، فقياس الرجل هو الذي يحدد اللون». (ص23).
إن تغيير الزي والملابس كان في بعض الأحيان سبباً في الصراع السياسي في مجتمعات عديدة، غير أن «الصالح» يقول إن الملابس الجديدة قُبلت في النهاية، «حيث بدأنا نشعر، نتيجة للتوجيه والإرشاد المدرسي، أن الزي الجديد بات مقبولاً».
دخل «الصالح» مجال الرياضة خلال سنوات الدراسة وخاض الكثير من المباريات، وعندما تم دمج فريق «النجاح» و«الصباح» في مدرسة واحدة تحمل اسم «مدرسة الصديق» تحت نظارة الأستاذ «حمد الرجيب»، اعتبرها طلاب مدرسة النجاح «مؤامرة مكشوفة» لسحب البطولات! ويقول «الصالح»:
«وعليه، ففي أول يوم دراسي- بعد عملية الدمج- قررنا نحن أقطاب طلبة مدرسة النجاح دعوة زملائنا الطلاب إلى الإضراب وعدم الحضور إلى المدرسة صباح الغد، علماً أنه لم يكن متبقياً على السنة الدراسية سوى شهرين، ومع ذلك فقد كانت الاستجابة للإضراب وعدم الحضور للمدرسة كبيرة بين أوساط طلبة النجاح، مما جعل الأستاذ «حمد الرجيب» في وضع كاد يفلت منه زمام الأمور لولا لجوئه إلى استعمال القوة مع التوجيه والإرشاد وتخصيص غرفة مستقلة في المدرسة تودع فيها الكؤوس والدروع تكون تحت إشراف لاعبي مدرسة النجاح». (ص26).
كم من الإضرابات شهد «الصالح» وقوعها في حياته اللاحقة!