عهد يتجدد... خروج من المشاهد المربكة
رغم فضل الله على الكويت بنعمة التحرير في فبراير 1991، فإنها تعيش، حتى يومنا هذا، مشاهد مربكة مستمرة أو متكررة!
فما هي تلك المشاهد المربكة؟ وما هي مشاهد الخروج منها نحو الاستقرار والتعافي وإعادة البناء؟
أول مشهد هو ترتيب وضع الأسرة الحاكمة، ووقف مراكز القوى داخلها ومحاولة البعض إفشال مَن يتولى مسؤولية رئاسة الوزراء، ويبدو أن رؤية سمو الأمير، حفظه الله، وقراراته قد بدأت الحسم، وهو ما اتضحت بوادره باختيار الشيخ محمد صباح السالم رئيساً لمجلس الوزراء، وما نراه من لقاءات متواصلة من سموه مع أطراف مؤثرة بالأسرة، تجنبنا مشاهد إرباك الحكومة بصراع لا طائل منه.
المشهد المربك الآخر هو خضوع السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية بقبولها أن تتمدد الأخيرة وتتعدّى على نطاق اختصاصها وسلبه منها، مع غياب النديّة والرقابة المتبادلة والتصدى لكل تجاوز واختراق للدستور من أعضاء مجلس الأمة فرادى، أو المجلس كله، أو لجانه، والتخوف والتردد من رفض مثل تلك التجاوزات أو الاقتراحات ووضع حدّ لها ومنعها، حتى لا يتكرر مشهد سلطة تتنازل عن اختصاصها بالمخالفة للمادة 50 من الدستور.
وهناك مشهد غياب السياسات العامة، الذي أربك ويربك مسيرة المؤسسات والأجهزة والقرارات، بعدم قيام مجلس الوزراء بدوره المحوري المقرر بالمواد 20 و52 و98 و123 و128 و130، و14 من الدستور.
وبدلاً من سير الدولة على أساس خطط وبرنامج وسياسات، تسود العشوائية والتخبط، والاجتهاد الفردي المربك، وتغيير مسار العمل المؤسسي المفترض للوزارة أو المؤسسة وخضوعه لتغييرات مزاجية كلما تغيّر الوزير أو تبدل، أو حتى لو حدث تعديل جزئي على تشكيل الحكومة. وهي نتيجة طبيعية لتشكيل حكومات هزيلة بوزراء لا يملكون رؤية ولا قدرة على المحاورة والإقناع ويرهبهم الخوف والخشية، وهي نتاج المحاصصة الكريهة، التي لم تعرفها الكويت في الفترة من عام 1962 حتى 1996، وهو ما نأمل أن يعيدنا إليه رئيس الوزراء المكلف.
وهناك مشهد الانحدار بنوع وطبيعة العمل السياسي عموماً وبالعمل البرلماني خصوصاً، فعضو مجلس الأمة - إلا من رحم الله - يمارس اختصاصاته من منطلق تحقيق المصلحة الخاصة والتكسّب السياسي أو المالي أو المنفعي، وأنه نائب خدمات، خلافاً للمواد من 117 حتى 122 من الدستور، ويمارس الابتزاز والوعيد، خلافاً للمادتين 91 و108 من الدستور، ويقوم بمخالفة واضحة لمواد الدستور دون مبالاة مثل 98 و115 و140، متجاوزاً حدود اختصاصه الدستوري، ويسنّ القوانين بلُغة الفرض والتهديد بـ «خريطة تشريعية» تثبت أنه تغوّل على السلطة التنفيذية، هادماً المواد 52 و72 و73 و79 و123 و140 من الدستور، وانتقل إلى مرحلة متدنية لاغتصاب اختصاص التنفيذ من بوابة التشريع، ومن ذلك تولي تحديد رسوم محلها اللوائح والقرارات التنفيذية، أو فرض الراعي للمعاق، رغم أنها مسألة فنية وتنفيذية، وزيادة العلاوات والمعاشات وغيرها، وهي من صميم عمل الحكومة! وانتقص سلطات القضاء بتعديله الأخير على قانون المحكمة الدستورية.
والمؤلم هو مشهد العبث بالنظام الانتخابي، والذي مرّ بأسوأ تواطؤ لتعديله من أجل الحفاظ على التكوين الفئوي لمجلس الأمة قبلياً وطائفياً وعائلياً وفئوياً ومناطقياً، والمعارضة المحمومة من الحكومة ومن مجلس الأمة، بتبنّي نظام رشيد ووطني للدوائر الانتخابية، لغايات ثلاث: الإبقاء على التكوين الحالي للدوائر بعلله وأمراضه ومخاطره على وحدة الوطن، والحفاظ على المقاعد النيابية أيّاً كان الثمن الذي سيتكبده البلد، واستمرار الظواهر السلبية التي شوهت الانتخابات، مثل شراء الأصوات ونقلها وتبادلها، والنجاح بأصوات ضئيلة شرذمت البلد لجزر سياسية ومنعت الإصلاح السياسي، وهي علّة كل المقترحات قاطبة.
وأخطر المشاهد تغيير تركيبة المجتمع الكويتي السياسية بمنح المتجنس حق الانتخاب رغم ما شاب التجنيس من عبث وتسييس وتفريط مخيف بالضوابط والقيود والشروط، وقد واكب ذلك تزوير للجنسية، أثبتته المحاكم اليوم، وتدليس في البيانات، وازدواج مخالف عقوبته الحرمان من الجنسية الكويتية، مما يستوجب إصلاح هذا الخلل الجوهري لإعادة الأمور إلى نصابها قبل إجراء أية انتخابات بعد حلّ مجلس الأمة وفقاً للمادة 107 من الدستور.