لا شك أن قرار الرئيس السعدون رفع الجلسة لعدم حضور الحكومة هو الإجراء الصحيح الذي سار عليه جميع الرؤساء منذ تأسيس الدستور، وهو الذي يقول به معظم الفقهاء وأساتذة الدستور، أما مطالبة بعض الأعضاء بعقد الجلسات رغم غياب الحكومة، وأن غيابها ما هو إلا وسيلة لتعطيلها، فأمر غير صحيح لأن عدم حضور الحكومة هو مظهر لوجود أزمة، ولا تُحل الأزمة بعقد الجلسات دون حضور الحكومة، بل ستتصاعد الأزمة إذا تم ذلك، وإنما الحل السليم هو بدراسة أسباب تلك الأزمة والمسارعة إلى تدخل الرئيسين لحلها أو تدخل أمير البلاد إذا اقتضى الأمر.
ويلاحظ أن موقف الأعضاء بعد رفع الجلسة يوم أمس الأول كان ناعماً إذا قورن بموقفهم وتصعيدهم في المجلس الماضي، فهل سيعودون إلى التصعيد إذا تغير الرئيس؟
والجدير بالذكر أن هذا الموقف ليس الموقف الوحيد الذي يطالب به بعض الأعضاء لإبعاد الحكومة عن ممارسة دورها، فقد تقدموا بقوانين تحجِّم دورها منذ المجلس الماضي بعد أن حصلوا على عدم تصويتها في انتخابات الرئاسة ومكتب المجلس واللجان، فقد قدموا اقتراحاً يمكِّن الأغلبية من عزل الرئيس، واقتراحاً آخر بعقد الجلسات دون حضور الحكومة، واقتراحاً ثالثاً بأن يكون انتخاب الرئيس ونائبه بالتصويت العلني، ورابعاً بمنع الحكومة من التصويت على أي أمر يتعلق بالاستجواب مثل تحديد موعده أو مخالفته للدستور أو إحالته إلى «التشريعية»، وهكذا يحاول بعض الأعضاء الزحف على حقوق وسلطات الحكومة بتعديل اللائحة الداخلية رغم أن هذه مسائل ومواضيع حكمها الدستور، ولا يمكن تعديلها إلا بتعديل الدستور، وطرحها بهذا الأسلوب يناقض التوافق والتوازن الذي بني عليه، مما سيؤدي إلى مزيد من الأزمات في المستقبل، وكان يسعهم ما وسع الآباء المؤسسين لهذا الدستور أو اللجوء إلى المحكمة الدستورية لحسم مدى دستورية اقتراحاتهم بدلاً من الإصرار والتصعيد الذي لا يجوز أن تستجيب له الحكومة.
إن تنازل الحكومة عن حقوقها ودورها القيادي حسب المادة 123 من الدستور ستكون له عواقب خطيرة، وتكفي الإشارة إلى أنه عندما تساءل كثير من الناس، والاقتصاديون بالذات، عن سبب سكوت الأعضاء الجيدين بل وتأييدهم أحياناً لاقتراحات تضر بمستقبل المالية العامة والاقتصاد الوطني كان جواب هؤلاء الأعضاء أن الحكومة وافقت عليها فهل نكون ملكيين أكثر من الملك؟! وأحيانا يكون جوابهم أن السبب هو انتشار الفساد وضعف الحكومة في اكتشافه ومواجهته.
الخلاصة أنه إذا تخلت الحكومة عن دورها فسيقفز عليه آخرون.