كشف مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن الإيرانيين أبلغوا واشنطن أنهم لن يعودوا إلى أي مفاوضات سرية أو علنية معهم، إذا ما لم يجبر الأميركيون الإسرائيليين عملياً على وقف عمليات الاغتيال التي شملت أخيراً مسؤولين عسكريين وأمنيين رفيعي المستوى من إيران وحلفائها، بينهم رضا موسوي، أعلى قيادي في الحرس الثوري في سورية، ووسام طويل قائد العمليات في كتيبة النخبة بـ «حزب الله» اللبناني، إضافة إلى ضرورة العمل على وقف حرب غزة.
وقال المصدر إن الجانبين الأميركي والإيراني عقدا 3 اجتماعات على مستوى شخصيات أمنية، وعدة اجتماعات على مستوى الخبراء خلال الشهر الماضي في دولة خليجية وأخرى أوروبية بناء على طلب أميركي، موضحاً أنه في هذه الاجتماعات طلب الأميركيون من طهران ضبط حلفائها والعمل على عدم توسع نطاق الحرب الدائرة في غزة، في حين طالب الإيرانيون بأن تقوم الولايات المتحدة في المقابل بضبط إسرائيل. وترى إيران أن واشنطن لم تلتزم عملياً بلجم تل أبيب، وتصرفت بطريقة مناقضة تماماً لمضمون ما تم التوصل إليه من تفاهمات في تلك الاجتماعات.
وأضاف أنه في الاجتماع الأخير الذي جرى على مستوى الوفود الأمنية قبل أيام قليلة، أبلغ الجانب الإيراني الأميركيين أن هناك حدوداً لقدرته على ضبط حلفائه، خصوصاً مع تزايد العدوانية الإسرائيلية، حتى إن قادة بعض الفصائل من الممكن أن يفقدوا السيطرة أو يتعرضوا لمخاطر العزل، في حال استمروا في سياسة الضبط، وأن هذه الأجواء من الممكن أن تولد ردود أفعال لا يمكن تصورها، وعلى واشنطن أن تأخذ هذا بعين الاعتبار في حساباتها، وأن تتوقف عن إعطاء الوعود الشفهية.
ولفت المصدر إلى أن الإيرانيين ذكروا في الاجتماع الأخير أن استراتيجية حلفائهم حالياً تقتصر على استهداف البنى التحتية الاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية بشكل محدود، لكن بما أن إسرائيل خالفت كل الاتفاقات غير المكتوبة، فإن حلفاء إيران قد يلجأون إلى مبدأ الرد بالمثل واغتيال قادة إسرائيل العسكريين والأمنيين، وكذلك استهداف المدنيين الإسرائيليين.
وقال إن تصعيد المواجهة في البحر الأحمر لإيقاف تحركات السفن تجاه إسرائيل هو تحذير أولي لوقف العدوان على غزة وعلى محور المقاومة في المنطقة، لكن إذا أصر الأميركيون على حماية السفن الإسرائيلية دون وقف حرب غزة والعمل على تهدئة إقليمية، فإن السفن التابعة للدول الأخرى ستكون أهدافاً لقوى المحور الإيراني.
وبحسب المصدر، أثار الأميركيون، في الاجتماع الأخير بين الطرفين، احتمال استهداف وكلاء إيران سفناً في مضيق جبل طارق، وكان ردّ الوفد الإيراني أنه لا معلومات لدى طهران بهذا الشأن، لكن شعوب المنطقة تغلي من الغضب، وكل شيء ممكن، كما أنه من الأسهل استهداف الموانئ والمطارات الإسرائيلية بدلاً من شن ضربات في أعالي البحار. وكان مسؤول في الحرس الثوري هدد بشن عمليات في جبل طارق، وهو ما من شأنه التأثير على إمدادات إسرائيل في البحر المتوسط بعد الأحمر.
وقال المصدر، إن الوفد الأمني الأميركي أبلغ الإيرانيين أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي كان يستعد لزيارة إسرائيل سيمارس ضغوطاً على تل أبيب، وأنه يتعذر إقناع إسرائيل حالياً بوقف الحرب لكن يمكنها القبول بتغيير شكلها، وهو ما قد يساهم في خفض التوتر.
وأكد أن إيران قالت إنها لن تعود إلى المفاوضات دون وقف شامل للنار في غزة. جاء ذلك، في وقت أفادت «القناة 13» الإسرائيلية بأن حكومة نتنياهو ستبحث مقترحاً قطرياً ينص على صفقة تبادل تشمل انسحاباً إسرائيلياً من غزة ومغادرة بعض قادة حماس للقطاع.
وذكرت «القناة» أن المقترح يتضمن إطلاق سراح جميع الرهائن، ولو على مراحل، مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع وإخراج قادة «حماس» منه. وسبق أن رفضت الحركة طروحات مشابهة.
ومع وصول وفد إسرائيلي إلى القاهرة، قال مسؤول مصري، أمس، إن القاهرة والدوحة تسعيان إلى إطلاق سراح الرهائن المدنيين الذين تحتجزهم «حماس» وجماعات مسلحة أخرى مقابل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المزيد من الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، لكنه لم يأتِ على ذكر مصير قادة «حماس» في القطاع.
وتزامنت هذه التطورات مع إسقاط القوات البحرية الأميركية والبريطانية 18 طائرة مسيرة و3 صواريخ مجنحة «كروز» وصاروخ بالستي فوق البحر الأحمر أطلقتها عناصر جماعة «أنصار الله» لاستهداف سفن تجارية بالبحر الأحمر، فيما وصفته لندن بأنه «أكبر هجوم» ينفذّه المتمردون المدعومون من إيران منذ بدء حرب غزة.
في المقابل، أكدت الجماعة اليمنية المتمردة استهدافها لسفينة أميركية لأول مرة، متهمة إياها بأنها كانت «تقدم الدعم لإسرائيل».
وبينما شدد بلينكن على أنه «ستكون هناك عواقب لاستمرار هجمات الحوثيين في البحر الأحمر»، رفضت قمة العقبة بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس والعاهل الأردني عبدالله الثاني «أي جهود أو مقترحات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأي محاولات لفصل المسارات بين غزة والضفة الغربية»، وذلك بعد ساعات من لقاء متوتر بين عباس وبلينكن في الضفة الغربية.
وفي تفاصيل الخبر:
أسقطت القوات الأميركية والبريطانية 18 طائرة مسيّرة وصواريخ بالستية وكروز فوق البحر الأحمر، أطلقها عناصر جماعة أنصار الله، من اليمن، فيما وصفته لندن بأنه «أكبر هجوم» ينفذه المتمردون المدعومون من إيران منذ بدء حرب غزة.
وذكرت القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم)، في بيان، أن «الحوثيين شنوا هجوماً معقداً بطائرات مسيّرة هجومية أحادية الاتجاه إيرانية التصميم، وصواريخ كروز مضادة للسفن، وصاروخ بالستي مضاد للسفن، من مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن باتجاه جنوب البحر الأحمر».
وأشار البيان إلى أن القوات الأميركية والبريطانية المنتشرة في المياه المجاورة أسقطت في المجموع 18 مسيّرة وصاروخين مجنحين (كروز) وصاروخاً بالستياً، بمشاركة مقاتلات إف 18 انطلقت من على متن حاملة الطائرات «إيزنهاور»، و3 مدمرات أميركية ومدمرة بريطانية.
من جهته، أفاد وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس بأن المدمرة البريطانية تدخلت بإطلاق «مدافعها وصواريخ سي فايبر»، بعدما اتجهت مسيرات حوثية نحوها ونحو سفن تجارية في المنطقة، محذراً من أنه في حال استمرار الهجمات غير القانونية فإن الحوثيين سيتحملون العواقب المترتبة، وشدد على أن «الوضع الحالي في البحر الأحمر لا يمكن أن يستمر».
ووسط تصاعد المخاوف من إقدام إيران والجماعات المتحالفة معها على توسيع رقعة التهديدات البحرية لتشمل مناطق حيوية أخرى، إضافة إلى مضيق باب المندب قبالة اليمن، أعلن عن توجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى البحرين، التي تضم مقر القيادة الأميركية الوسطى والأسطول البحري الخامس، في محطة غير معلنة، من جولته في الشرق الأوسط التي بدأها الجمعة الماضية، بهدف احتواء النزاع ومنع تمدده إقليمياً.
وأوضح مسؤول أميركي أن بلينكن سيتوجه إلى المنامة للقاء العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، في إطار المشاورات الإقليمية المرتبطة بحرب غزة.
في المقابل، أعلنت جماعة أنصار الله استهداف سفينة أميركية بالصواريخ والمسيّرات، متهمة إياها بأنها كانت «تقدم الدعم» لإسرائيل، وأكدت استمرارها في استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل حصراً أو المتجهة إلى الموانئ التابعة لها في إطار مساندة الفلسطينيين في غزة.
وجاء ذلك في وقت دعت إيطاليا إلى «وقف الحوثيين دون إثارة حرب أخرى».
ووسط غياب أي بوادر على نهاية قريبة للحرب الدموية التي تشنها إسرائيل على غزة منذ 97 يوماً، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اجتماعاً خيّم عليه التوتر مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في الضفة الغربية المحتلة، ضمن جولته الإقليمية الرامية إلى البحث عن حل للصراع الذي يهدد بتفجر جبهات إقليمية أخرى.
وطالب بلينكن عباس بإجراء إصلاحات في السلطة التي تتخذ من مدينة رام الله مقراً لها، بهدف تجهيزها لاحتمال الاستعانة بها لتشكيل حكومة فلسطينية موحدة لحكم الضفة والقطاع، في حال نجاح إسرائيل في إقصاء حركة حماس عن حكم غزة، بينما أكد رئيس السلطة أن القطاع جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية.
ونقلت «سكاي نيوز عربية» عن مصادر أن اللقاء «كان متوتراً وشابته مناكفات وتلاسن». وطالب الطرف الفلسطيني من بلينكن الضغط على سلطات الاحتلال للإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية التي تحتجزها منذ هجوم «طوفان الأقصى»، الذي شنته «حماس» في 7 أكتوبر الماضي، وتسبب في اندلاع الحرب غير المسبوقة.
وقال الفلسطينيون لبلينكن إنه «إذا لم يكن عندكم القدرة على تحرير الأموال فكيف ستكون عندكم القدرة للضغط على إسرائيل وتحقيق السلام والدولة الفلسطينية؟!». وعاود بلينكن المطالبة بإجراء إصلاحات في السلطة وأجهزتها الأمنية، فرد الجانب الفلسطيني بأن «عليكم إصلاح أنفسكم وسياستكم تجاه القضية الفلسطينية».
وعقب اللقاء، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، إن بلينكن أكد موقف واشنطن الثابت على وجوب دعم خطوات ملموسة لقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل «والعيش في سلام وأمن».
من جانبه، حذر عباس من خطورة ما تقوم به سلطات الاحتلال من إجراءات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة، أو الضفة الغربية، بما فيها القدس، والتي كشفتها التصريحات الصادرة عن وزراء ومسؤولين إسرائيليين، والتي تدعو إلى طرد الشعب الفلسطيني من أرضه، وأكد عباس الرفض الكامل لتهجير أي فلسطيني، وعدم السماح بحدوث ذلك.
وشدد على أن قطاع غزة له الأولوية، «ولن يتم التخلي عن أبناء شعبنا، الذين يقعون تحت مسؤولية دولة فلسطين، وإدارتها»، ولفت إلى أهمية الإسراع في إدخال المساعدات الإنسانية إلى داخل القطاع، وتمكين مراكز الإيواء والمستشفيات من القيام بدورها للتخفيف من معاناة السكان والنازحين.
وجاءت الزيارة بعد يوم من محادثات صعبة أجراها بلينكن، أمس الأول، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته المصغرة بشأن الحرب والتوترات الإقليمية ومستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ورغم تشديد بلينكن، خلال وجوده بتل أبيب، على ضرورة حماية المدنيين وتخفيف المعاناة الإنسانية بالقطاع، عبر زيادة المساعدات، وصفت أوساط فلسطينية كلمات الوزير الأميركي بأنها «لا تسمن ولا تغني من جوع»، ولم تغير واقع مأساة الحرب على سكان القطاع الذي تسببت الحرب في تشريد 85% من سكانه.
استمرار الحرب
وفي وقت تتمحور جولة بلينكن حول تفادي اتساع الحرب إلى جبهات أخرى، والبحث في «اليوم التالي» لما بعد انتهائها، أكد البيت الأبيض أن الولايات المتحدة لا تؤيد وقفاً لإطلاق النار في غزة في الوقت الراهن، لأنه سيكون في مصلحة «حماس»، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إن واشنطن تدعم التوصل إلى هدن إضافية.
في موازاة ذلك، كشف موقع اكسيوس الأميركي أن كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، بحث مع رئيس الوزراء القطري محمد عبدالرحمن، التوترات الإقليمية وجهود إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في غزة.
كما ذكرت هيئة الإذاعة الإسرائيلية «كان» أن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، غسان عليان، زار القاهرة، ليبحث مع مسؤولين مصريين صفقة محتملة لتبادل الرهائن والسجناء بين بلده و«حماس».
وأوضحت أن المباحثات تناولت «شؤوناً إنسانية» وقضية «محور فيلادلفيا» الحدودي بين القطاع الفلسطيني ومصر، بعد نفي القاهرة وجود أي تعاون مع مسؤولي الدولة العبرية الذين عبر بعضهم عن رغبتهم في إعادة السيطرة عليه لمنع عمليات تهريب مزعومة بين غزة وسيناء المصرية.
وغداة كشف بلينكن أنه نقل إلى قادة إسرائيل شروطا طرحتها دول عربية وتركيا للمساهمة في إعادة إعمار غزة وإدارتها عقب الحرب، حضر رئيس السلطة الفلسطينية قمة ثلاثية جمعته مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، في مدينة العقبة الأردنية.
وذكر الديوان الهاشمي أن القمة الأولى للزعماء الثلاثة منذ اندلاع الحرب تهدف إلى بحث التطورات الخطيرة في القطاع ومستجدات الضفة الغربية، وتعد جزءا من «جهود الأردن المستمرة في تنسيق المواقف العربية، للضغط للوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية بدون انقطاع».
حرق وتهجير
وفي حين يحذر خبراء بالدولة العبرية من أن حكومة نتنياهو بعيدة عن تحقيق أهدافها المتمثلة في القضاء على «حماس»، وبأنها ماضية في «حرب استنزاف»، نقلت «القناة الـ13» الإسرائيلية عن عضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن في «الكنيست» نسيم فتوري دعوته إلى «إحراق غزة».
وجاء ذلك في وقت أصر وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش على أن إسرائيل ستدعم الهجرة الطوعية للفلسطينيين من القطاع إلى دول العالم، مثلما حدث مع السوريين والأوكرانيين، بوصفها قضية وجود، رافضاً دعوة وزير الخارجية الأميركي إلى عدم الضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم.