نشأت الأسواق منذ الأزل لهدف بسيط، هو توفير احتياجات البشر من سلع وبضائع، سواء أساسية أو ثانوية وأخذت الأسواق في التطور مع تطور الحياة من حيث الشكل والآليات المستخدمة لهذا النشاط، إلا أنها جميعاً، وعلى مر التاريخ، اجتمعت على مبادئ وأسس مشتركة لديمومتها وازدهارها كالبيئة الآمنة والعدالة والحرية.

بل وأصبح تطوّر السوق مع مرور الوقت ركناً أساسياً في ديمومة الدولة ككل وليس اقتصادها فقط، لذلك حرصت الدول - على مر العصور - على الحفاظ على أسواقها من الأخطار الخارجية والداخلية من خلال تبنّي سياسات اقتصادية معيّنة تطورت هي الأخرى مع تطور الحياة، حتى توصلت إلى الشكل الحالي من اقتصاديات رأسمالية مختلطة في غالبيتها تستند إلى أن حرية الأسواق هي الحالة المثلى لتحقيق أفضل النتائج في ظل تدخُّل حكومي محدود لحماية قيم العدالة والحرية والأمن وليس التدخل المفرط الذي يقيد الحريات الفردية، كما نص آدم سميث، مؤسس هذا الفكر في كتابه «ثروة الأمم».

Ad

في ضوء هذا السياق، تطرح الكويت من خلال القائمين على مؤسساتها المالية والاقتصادية فكرة أنها ذات توجّه يتبنى مذهب حرية الأسواق وعدم التدخل للتأثير على آلية عمل السوق، بينما يناقض الواقع العملي ذلك في ممارسات عدة حتى وقت قريب. فمَن يتابع الشأن المحلي يلحظ أن وزير التجارة خلال الأشهر القليلة الماضية تارة يتدخل لتحديد سقف سعري معيّن، وتارة يتدخّل لمنع تصدير سلع معيّنة! في تجاهل واضح لأهمية الدفاع عن مبدأ حرية الأسواق ودور «اليد الخفية» التي ذكرها سميث في تحقيق التوازن الأمثل للسوق.

بينما نجد أن جهاز حماية المنافسة، وهو المعنيّ الأول بمعالجة هذه الإشكاليات، يقف موقف المتفرج من هذه القضايا، ولا يقوم بدوره في حماية المنافسة وطرح حلول ومقترحات لتعزيز الحريات وعدالة التنافسية كسلوك مهم لمصلحة السوق.

الغريب أيضاً أن جهاز حماية المنافسة، الذي تم تأسيسه منذ سنوات، لم يستطع القيام بدوره الأساسي في توفير بيئة تنافسية عالية، فضلاً عن أن يحمي المستهلك من الممارسات الاحتكارية وما شابهها. فكما هو معلوم للجميع، لم تتحسن أسعار السلع، بل هي في ارتفاع حتى مع تشدّد السياسة التقدية، في دليل واضح وصريح على وجود بيئة احتكارية لا حسيب لها ولا رقيب.

والسؤال هنا هو إن كان هذا الجهاز لم يقم بدوره الرئيسي ولم يقدّم حلولاً ولا مقترحات، فما جدوى وجوده؟ خصوصاً أن وزارة التجارة من خلال تدخّلاتها المتكررة في السوق بشكل مباشر تؤكد عدم فاعلية هذا الجهاز.

أما الأكثر غرابة، فهو أن الحكومة تقوم بإنشاء مثل هذه الهيئات لتحقيق هدف معيّن، وفي الوقت نفسه تبقي على قوانين ضد تحقيق هذا الهدف، فكيف يكون لدينا جهاز لحماية المنافسة، وفي الوقت ذاته قوانين تشرّع الاحتكار وتحميه صراحة كقوانين الوكالات التجارية وما شابهها من قوانين لدى جهاز حماية المنافسة؟

باختصار، لا نبالغ إن قلنا إن كثيراً من مشاكل الاقتصاد المحلي مرجعها تقييد حرية السوق وتنافسيته، مما أدى ويؤدي إلى نشاط اقتصادي أقل، وفرص وظيفية أقل، وتضخم وأسعار مرتفعة، وكلفة مالية أعلى على الدولة، وجودة أقل، واتساع الفجوة والفروق الطبقية، وفقدان الثقة بالسوق المحلي والاقتصاد بشكل أعم.

بالتالي، فالقضية أكبر من كسر احتكار تاجر لسلعة أو منتج، فالقضية لها أبعاد مؤثرة على عدة مناحٍ اقتصادية. لذلك نرى عن قناعة تامة أن ليبرالية السوق ضرورة كمبدأ وضرورة كواقع إصلاحي، ويبقى السؤال المهم هنا: هل التدخلات الحكومية في السوق هي نتاج «يد خفية أخرى» غير التي ذكر سميث؟

* أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث - المملكة المتحدة

Soud.almutairi@port.ac.uk