بقايا خيال: هل تتخلص الحكومة من تخديم الولاءات؟
منذ زمن طويل وأنا أسأل نفسي هذا السؤال الأزلي: هل تقدر أي حكومة كويتية على التخلص من رداء الولاءات؟ وإذا سلمنا جدلاً بأن هذه الحكومات كانت ماشية صح وحسب الأصول، فلماذا استخدمت المال السياسي لاسترضاء هذا وذاك، وجلبت نوعيات من الموالين لها وخدمت مصالح الموالين بالمناصب والمناقصات بدلاً من أن تقوم هذه الحكومة بخدمة الديرة فقط، سواء رضي الموالون عليها أم لم يرضوا بما أنجزته من مشاريع، لتجبر هؤلاء الموالين على الانقياد وراء إرادة السلطة التنفيذية طالما كان الانقياد يصب لمصلحة الديرة؟
دائما نسمع ونقرأ بل نرى الحكومات المتعاقبة تحاول أن تسترضي المتنفذين من التيارات الدينية بشقيها السني والشيعي والتجار بالمناقصات والمناصب وإصدار القرارات والقوانين التي تناسب أتباعها ومريديها، هذا المثلث (مثلث برمودا) هل تستطيع الحكومة أن تتخلص منه حتى لا تتحد أضلاعه ضدها؟ أم أن الحكومة المقبلة قادرة على التخلص من مخاوفها من هذا المثلث الخطير تدريجياً فرداً فرداً وواحداً بعد الآخر، لتعيش الحكومة حرة نفسها وملكة قراراتها، تنفذ ما شاءت من القرارات الشعبية وتنجز ما شاءت من الإنجازات الوطنية؟ وهل تستطيع حكومة الدكتور محمد الصباح أن تكسر أصنام السلطة التشريعية التي صنعتها الحكومات المتعاقبة بنفسها وقدمت لها القرابين لتصد عن نفسها وعن أعضائها تهديدات الفزعات البرلمانية؟ وهل يستطيع رئيس الحكومة أن ينفذ أجندته الخاصة بتشكيل حكومة تكنوقراط دون تدخلات خارجية لتنفيذ ما تعرقل خلال العقود الثلاثة الماضيات لتعود الكويت إلى سابق عهدها من الالتفات إلى ما يحتاجه الناس والديرة من مشاريع التنمية الشاملة؟ أم أنه سيكون، ومن معه من الوزراء، مجبرين على الانحناء أمام رياح مصالح النواب والمتنفذين ومتطلبات الظروف الطارئة؟
الدكتور الشيخ محمد الصباح كان نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية عندما قدم استقالته من الحكومة السابعة والعشرين، بسبب التحويلات المليونية آنذاك، فهل يستطيع، وهو اليوم رئيس هذه الحكومة، أن يردم بئر المال السياسي بالإسمنت المسلح، فتُترك الانتخابات البرلمانية بعيداً عن أي تدخلات سياسية؟ ولكن ماذا لو عاد النواب الذين أفسدوا الحياة السياسية الرغيدة التي عشناها قبل العبث بالهوية الكويتية، حتى صار لدينا مزورون ومزدوجون بالألوف يتدخلون بمسارات برلماناتنا المتعاقبة منذ سنين مضت؟ كيف ستتناولها الحكومة الجديدة التي نأمل أن يتسيدها رجالات دولة حقيقيون، بعد أن كان الاختيار مبنياً على أسس قبلية وطائفية وموالاة وما شابه من معايير لم تكن تصب لمصلحة الديرة؟
الحقيقة المرة تشير إلى أننا أمام واقع «أقشر» يجب أن نعمل جميعاً على تجاوزه مهما كانت التضحيات، ونحن أمام معادلة صعبة متمثلة بالمال السياسي والولاءات الكاذبة طبقها الكويتيون على أنفسهم وعلى الأخص النواب لفترة غير قصيرة من الزمن حتى ظن الكثيرون منهم أنها حقوق مكتسبة، فهل يستطيع هذا الرئيس الذي لقي ترحيباً شعبياً غير مسبوق لم يحظ به غيره من رؤساء الحكومات الكويتية المتعاقبة، آخذين بعين الاعتبار أن رؤساء الحكومات السابقة كانوا يتسلمون مناصبهم بسلاسة، ولم يجابهوا ظروفاً شهدت فساداً ملحوظاً كما نعيشه اليوم، ويحاول كل الكويتيين المخلصين، وعلى رأسهم صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، أن يتخلصوا منه بأي ثمن وبأي طريقة؟ نتمنى أن يتحقق لنا وللكويت ما فيه الخير والسداد.