شرعت محكمة العدل الدولية، في لاهاي، بجلسات استماع تتعلق بقضية اتهام جنوب إفريقيا لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين خلال حملتها العسكرية الحالية ضد قطاع غزة المحاصر والمعزول عن الضفة الغربية المحتلة منذ 7 أكتوبر الماضي، ومطالبتها باتخاذ إجراءات عاجلة لتعليق العمليات العدائية.
وقالت ممثلة بريتوريا عادلة هاشم، في افتتاح جلسة الاستماع: «على مدى الأيام الـ 97 الماضية، قصفت إسرائيل غزة فيما يعتبر أكبر هجوم في التاريخ»، لافتة إلى أن المواطنين يمكن أن يموتوا بسبب القصف والجوع والمرض بسبب تصرفات إسرائيل التي تتجاوز القانون الدولي».
وأضافت هاشم: «إسرائيل تفعل كل ما بوسعها من أجل نشر الجوع في غزة، حيث 80 في المئة من سكان العالم الذين يعانون الجوع اليوم بداخل القطاع» الذي تديره «حماس» منذ عام 2007 بعد عامين من إنهاء الدولة العبرية لاحتلال دام 38 عاما.
وادّعت ممثلة الدولة الإفريقية التي عانت في السابق من الفصل العنصري بين البيض والسود، أن الدولة اليهودية انتهكت المادة الثانية من اتفاقية، منع الإبادة الجماعية، وارتكبت أعمالاً تندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية.
وقالت هاشم، ممثلة المحكمة العليا في جنوب إفريقيا، لمحكمة العدل الدولية، إن «هذه الأفعال تظهر نمطا منظما من السلوك يمكن من خلاله استنتاج الإبادة الجماعية».
وطالبت بـ «تعليق عاجل للحملة العسكرية» التي تسببت حتى الآن في مقتل أكثر من 23 ألف فلسطيني وتشريد 85 في المئة من سكان القطاع المكتظ بـ 2.3 مليون نسمة.
كما استشهد مدعون آخرون نيابة عن بريتوريا، باقتباسات من خطابات لكبار قادة الدولة العبرية وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ووزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير ونائب رئيس الكنيست نسيم فيتوري، تضمنت دعوات علنية لـ «محو القطاع عن وجه الأرض وحرقه وضربه بقنبلة ذرية».
شيطنة ومواجهات
وقبيل انطلاق المحاكمة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي عبر منصة «إكس»: «أريد أن أوضح بعض النقاط بصورة قاطعة: إسرائيل ليس لديها أي نية لاحتلال غزة بشكل دائم أو تهجير سكانها المدنيين». وتنكر سلطات إسرائيل اتهامات الإبادة الجماعية، وتتهم بريتوريا بلعب دور «محامي الشيطان» لمصلحة «حماس».
وانتقدت «الخارجية» الإسرائيلية موقف جنوب إفريقيا، معتبرة أنها «الذراع القانونية لمنظمة حماس الإرهابية»، وتسعى إلى «تمكين حماس من أن ترتكب مجددا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والجرائم الجنسية التي ارتكبتها بشكل متكرر في السابع من أكتوبر»، ووصفت محامي بريتوريا بأنهم «ممثلو حماس في محكمة العدل الدولية».
ومن المقرر أن تستمع المحكمة التابعة للأمم المتحدة اليوم إلى دفاع الدولة العبرية بالدعوى التي تقدمت في 29 ديسمبر الماضي، في حين يتوقع أن يصدر حكمها في وقت لاحق من يناير الجاري بشأن الإجراءات العاجلة، لكن المحكمة لن تصدر حكمها فيما يتعلق باتهامات الإبادة الجماعية في الوقت نفسه، إذ يتوقع أن تستمر القضية سنوات.
وتشير تقديرات إسرائيلية إلى أن المحكمة قد تصدر قرارا يلجم حملتها ضد غزة دون الدعوة الصريحة إلى وقف تام لإطلاق النار.
ويتضمن القرار، الذي يتوقع أن يصدر ضد إسرائيل، المطالبة بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإقامة لجنة تحقيق مستقلة بالجرائم المحتملة، أو السماح بعودة النازحين إلى شمال القطاع.
ويضم القضاة الذين يرأسون محكمة العدل الدولية، والذين تعينهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ويوافق عليهم مجلس الأمن، 15 قاضياً من جنسيات مختلفة بينهم اللبناني نواف سلام والأميركية جوان دونوغو والألماني كيريل جيفورجيان. واختارت إسرائيل أهارون باراك، 87 عاما، وهو أحد الناجين من «المحرقة النازية» ورئيس المحكمة العليا السابق بالدولة العبرية، للدفاع عنها.
ومع جذب القضية المشحونة سياسياً اهتماماً عالمياً، وفتحها لمعركة جانبية إلى جانب استمرار الحرب، نظم مؤيدو كلا الجانبين في القضية مسيرات وتجمعات مضادة في لاهاي.
ووسط ترقب دولي لسوابق تاريخية قد تتضمنها قرارات المحكمة المختصة بالفصل بين الدول لا الأفراد، أعلنت الحكومة البرازيلية دعمها وتأييدها لخطوات جنوب إفريقيا ومشاركتها بفريق قانوني في المحكمة «التي ينبغي أن تأمر إسرائيل بالوقف الفوري لأي أعمال تشكل جرائم وإبادة».
كما أعلنت السلطات البرازيلية التزامها بمبدأ حل الدولتين و«إقامة دولة فلسطينية مستقلة اقتصاديا يمكنها التعايش مع إسرائيل في سلام».
وتعرّف معاهدة منع ومعاقبة الإبادة الجماعية لعام 1948 الإبادة الجماعية بأنها «الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية».
السيسي وبلينكن
وتزامن ذلك مع مواصلة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جولته الإقليمية الرامية لاحتواء الصراع في غزة، ومنع تمدده إقليميا بلقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في القاهرة.
وقبل أن يختتم بلينكن جولته الدبلوماسية المكوكية التي شملت إسرائيل وجيرانها العرب، بالإضافة إلى تركيا واليونان، أكد أن الولايات المتحدة تعمل على ضمان عدم انفجار الوضع في الضفة الغربية والمنطقة، مشيراً إلى أن «أفضل وسيلة لعزل إيران هي تعاون إسرائيل مع دول المنطقة، وإيجاد مسار لإقامة دولة فلسطينية».
وجاء بلينكن، الذي زار تسع دول والضفة الغربية المحتلة في أسبوع، لإسرائيل بتصور مبدئي مفاده أن تسهم دول الجوار في إعادة تأهيل غزة بعد الحرب وتواصل التكامل الاقتصادي مع إسرائيل، بشرط التزام الأخيرة بالسماح في نهاية المطاف بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وأمس الأول، سرّبت تقارير عن مقترح وساطة قطري يتضمن انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة كشرط أول ثم الوقف الكامل للحرب، ليتم خلال ذلك إطلاق سراح المختطفين في هجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته «حماس» على دفعات تدريجية.
ميدانياً، شددت قوات الجيش الإسرائيلي قصفها على المنطقتين الوسطى والجنوبية في غزة، في حين قالت وزارة الصحة بالقطاع إن «الاحتلال ارتكب 10 مجازر خلال 24 ساعة بلغ ضحاياها 112 شهيدا، وأصيب 194».