هل تردع الضربات الأميركية الحوثيين أم تعزز قوتهم؟
أثارت الضربات الأميركية - البريطانية ضد مواقع جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن ليل الخميس - الجمعة، شكوكاً ليس فقط بقدرة الضربات التي أصابت نحو 60 هدفاً حيوياً للجماعة في مناطق عدة من اليمن، على ردع الجماعة اليمنية عن مواصلة استهداف السفن في البحر الأحمر، بل كذلك بأنها عملياً قد تكون استفادت منها إلى حد كبير.
وقالت صحيفة فايننشال تايمز، في تقرير نشرته اليوم، إن السؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كانت الضربات العسكرية ستمنع وحدها الحوثيين من الاستمرار في مهاجمة السفن، وما هو الرد المحتمل إذا فشلت الضربات. وذكر بيتر ريكيتس، مستشار الأمن القومي البريطاني السابق: «من نواحٍ عدة، لم يكن هناك بديل عن شن الضربة: لم يكن من الممكن السماح للحوثيين بالاستمرار حتى تتم إصابة سفينة كبيرة. كان من الممكن أن يكون التقاعس عن عمل أي شيء أسوأ من الضربة»، وأضاف: «يبدو أن الحسابات كانت تهدف إلى شن ضربة كبيرة بما يكفي لتغيير سلوك الحوثيين، إن لم يكن بين عشية وضحاها، على الأقل حتى يتباطأوا».
سابقة «الكيماوي» السوري
ولفت التقرير إلى «سابقة إقليمية لضربة جوية كبيرة أدت إلى تغيير السلوك»، عندما أطلقت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا أكثر من 100 صاروخ من الطائرات والسفن ضد مواقع الحكومة السورية عام 2018، رداً على هجمات كيماوية مفترضة ضد المدنيين، وتقول الصحيفة إن تلك الضربات لم تنه القتال، لكن محللين يعتبرون أنها ساعدت في إخماده وتقليل وتيرة استخدام المواد الكيماوية.
وقال سام كراني إيفانز، الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، إن التحرك ضد الحوثيين «تم قياسه وحسابه بالمثل: مع الحرص على تقليل مخاطر التصعيد إلى الحد الأدنى، ولكن موازنة ذلك مع الكثير من القوة لإظهار النوايا».
وأفاد اللفتنانت جنرال دوغلاس سيمز، مدير هيئة الأركان المشتركة الأميركية، «لا أعتقد أن الحوثيين سيكونون قادرين على التنفيذ بنفس الطريقة كما قبل الضربات لكن سنرى ماذا يحدث».
في المقابل، يرى بلال صعب، وهو زميل مشارك في مركز «تشاتام هاوس» للأبحاث بلندن أنه «من الصعب جداً هزيمة جهة فاعلة غير حكومية، سياسية أو عسكرية، متجذرة وقادرة ومرنة مثل الحوثيين، وهي تتمتع بدعم شعبي محلياً وإقليمياً».
مساران... عسكري ودبلوماسي
وتنقل الصحيفة عن محللين تقديراتهم بأنه إذا واصل الحوثيون مهاجمة السفن البحرية والسفن العسكرية في البحر الأحمر، فإن الأمل بين شركاء التحالف هو أن تساعد الضربات الجراحية المستمرة جنباً إلى جنب مع الجهود الدبلوماسية، خاصة مع إيران، في استعادة حرية الملاحة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، يقول صعب: «السؤال هو ما إذا كانت إيران لديها ما يكفي من النفوذ لدى الحوثيين لمنعهم من شن المزيد من الهجمات ضد الشحن التجاري؟ يظل هذا سؤالاً مفتوحاً، لكن واشنطن لن تعرف أبدا الإجابة حتى تختبر الاقتراح».
أما بالنسبة للعمل العسكري المستقبلي، فإن الولايات المتحدة تمتلك أعداداً كبيرة من صواريخ الهجوم البري من طراز توماهوك على متن سفنها وغواصاتها في المنطقة، فضلاً عن حاملة طائرات محملة بالمقاتلات النفاثة. مع ذلك، فإن السفينة الحربية البريطانية الرئيسية في البحر الأحمر، «دايموند» لا تمتلك صواريخ هجوم أرضي، وبالتالي فإن أي ضربات ضد أهداف برية من قبل الطائرات البريطانية يجب أن تنفذها طائرات مقاتلة من طراز تايفون تأتي من على بعد آلاف الأميال من قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في قبرص.
وأشار المحللون إلى أن هذا لن تكون له فائدة كبيرة ضد جزء كبير من مطلقي الصواريخ الحوثيين الذين يتمتعون بقدرة عالية على الحركة، ويعتمدون مبدأ «اقصف واهرب» للاختباء قبل وقت طويل من وصول الطائرات الهجومية البريطانية.
وبحسب التقرير، هناك عامل آخر من المحتمل أن يعمل لمصلحة الحوثيين، وهو التكلفة التي تتحملها قوات التحالف البحرية للحفاظ على وجودها في المنطقة. وقال نيك تشايلدز، زميل بارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، «ستواجه كل من البحرية الأميركية والبحرية الملكية البريطانية ضغوطاً شديدة للحفاظ على التزامهما الحالي إلى أجل غير مسمى، كما أن سفنهما منتشرة بشكل ضئيل جداً».
ويضيف أن «المدة التي يمكن أن تستمر فيها هذه المهمة ستعتمد على عدد الحكومات والقوات البحرية الأخرى المستعدة لتحمل جزء من العبء».
هل تضررت ترسانة الحوثيين؟
من ناحيتها، قالت صحيفة الإيكونوميست إنه من غير المرجح أن يتم ردع الجماعة التي خرجت أقوى من حرب استمرت 9 سنوات، وأدت إلى مقتل الآلاف من مقاتليها، وألحقت الفقر ببلادها، من خلال بضع غارات.
ولفتت الصحيفة إلى أنه من غير الواضح كم من الترسانة المتنوعة التي بناها الحوثيون نجت من القصف الأميركي البريطاني، مضيفة أن التحذيرات الغربية والتسريبات في الصحافة منحت الحوثيين أسابيع لتفريق وإخفاء أسلحتهم، وكثير منها صغيرة الحجم ومتحركة نسبيا، ومع ذلك إذا تم تدمير نسبة كبيرة، فقد يضطر الحوثيون إلى تقنين الضربات الصاروخية، مما يسمح باعتراض نسبة أكبر من السفن الحربية الغربية في المنطقة لهجماتهم وخلق بيئة أكثر أماناً لمرور الشحن التجاري. وبينت أنه من ناحية أخرى، إذا ظلت الترسانة الحوثية سليمة إلى حد كبير فسيكون الحوثيون قادرين على الاستمرار كما كانوا من قبل أو حتى الوفاء بوعدهم بتوسيع الحملة.
ويشير فابيان هينز، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إلى أنه على المدى الطويل، ستكون المجموعة قادرة على تجديد مخزونها عن طريق تهريب أنظمة صاروخية بحرية جديدة مفككة وإعادة تركيبها، وأيضاً الاستمرار في قصف السفن بالصواريخ البالستية ضد السفن باستخدام المرافق المحلية ومعدات التوجيه التي توفرها إيران.
صراع مفيد
وأفادت الصحيفة بأن إيران، التي كانت قادرة بالفعل على أن تضايق الشحن عبر مضيق هرمز، أصبحت الآن، من خلال الحوثيين، قادرة على شل ممر مائي حيوي آخر، وتنقل عن دبلوماسي خليجي قوله إن «البحر الأحمر أكثر فائدة بالنسبة للإيرانيين، لأنهم لا يضطرون إلى القيام بذلك بشكل مباشر»، وهذا يعني ان الحوثيين أثبتوا أهميتهم بالنسبة لإيران، وهو ما سيضمن على الأرجح تلقيهم المزيد من الدعم الإيراني.
وترى «الإيكونوميست» أن الصراع مع الغرب يمكن أن يكون مفيداً بالنسبة للحوثيين، فقد أكسبهم حصارهم المفترض لإسرائيل إعجاباً جديداً في جميع أنحاء العالم العربي، حيث استغلوا المشاعر المؤيدة للفلسطينيين، فيما أن استهدافهم من قبل أميركا في حين أن معاداة واشنطن تتصاعد بسبب دعم بايدن لإسرائيل، سيزيد من شعبيتهم. وتضيف أن أحداث الشهرين الماضيين ستعزز لدى السعوديين الرغبة في التوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب اليمن حتى لو ترك ذلك الحوثيين القوة المهيمنة في البلاد.