رغم أن تصريحات بعض أعضاء مجلس الأمة والناشطين معهم قد تبدو أنها نصائح قبل تشكيل الحكومة للتعاون مع المجلس إلا أنها لم تخلُ من تعليمات وضغوط أو إملاءات وأحياناً تهديدات مبطنة وكأنهم يعيشون أجواء الفترة السابقة التي كانوا يملون فيها رغباتهم وقوانينهم، فمنهم من قرن تهنئة رئيس الوزراء بالموافقة على الخريطة التشريعية، ومنهم من حذّره من سلوك أسلوب حكومة الشيخ صباح الخالد وتحالفاته، ومنهم من شهّر بشخصيات معينة وصفها بأنها مستفزة ورفض توزيرهم واعتبرها تصادمية، وأيضاً هناك من استخدم ألفاظاً مثل تأزيم وتصعيد مبكر.
ولا شك في أن النصيحة مطلوبة، ولكن دون فرض الرأي أو التحريض أو الإساءة إلى أشخاص معينين، لأن الناس تختلف في تقييم الأشخاص ما لم تكن هناك أدلة مادية على خطورتهم أو فسادهم، كما أن الإملاء ليس أساساً جيداً لبدء التعامل مع حكومة جديدة، لأن الدستور نص على أن الأمير يشكل الحكومة على النحو الذي يرتئيه، وأن الحكومة لا تحتاج إلى قرار بالثقة من المجلس (م 57)، وأيضاً فإن مطالبة الحكومة بالتعاون لا يعني خضوعها وتسليمها لقوانين المجلس التي عليها مآخذ أو تلك المخالفة للدستور، أو التي تستنزف المالية العامة واحتياطي الأجيال، حيث نص الدستور في المادة 50 (لا يجوز لأي سلطة النزول عن كل أو بعض اختصاصها)، وكذلك فإن التعاون لا يعني تمرير واسطات النواب وتعييناتهم، لأن هذا من قبيل الفساد الذي نهى عنه الدستور في المادة 115 (لا يجوز لعضو مجلس الأمة أن يتدخل في عمل أي من السلطتين القضائية والتنفيذية)، وقد تتفق الحكومة مع نواب معينين في موضوع معين ثم تتفق مع غيرهم في موضوع آخر، فهذه كلها اجتهادات حسب تقدير المصلحة في كل موضوع، والخلاف فيها لا يعني التنازع وأن الحكومة ضد التعاون.
جميع هذه الأصول الدستورية تم إهمالها بسبب ضعف الحكومات الأخيرة وطغيان وإملاءات مجلس الأمة عليها، ولا يجوز أن تستمر في الحكومة القادمة.
أما بالنسبة لقوانين النواب فإن رئيس الوزراء القادم الشيخ محمد أدرى بحكم تخصصه بالقضايا الاقتصادية ولا شك في أنه سيقارن خريطة النواب التشريعية بالوثيقة التي قدمها 28 من أساتذة الكلية التي كان يدرّس فيها، وكان عنوانها «قبل فوات الأوان»، إلى جانب الدراسات التي قدمها المتخصصون في هذا المجال، وكذلك الأمر بالنسبة للأمور الدستورية، فالحكومة الجديدة غير ملزمة بمواقف وآراء أي حكومة سابقة.
باختصار النصيحة مطلوبة دون إساءة أو إملاء أو تهديد أو عرقلة.