انشغل الإعلام، وخصوصا في البلدان العربية، بموضوع القضية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد ما ترتكبه سلطات الاحتلال من أعمال ترقى حسب ما عرضته جنوب إفريقيا إلى درجة «الإبادة الجماعية» لسكان قطاع غزة، ونحن بانتظار أن تصدر المحكمة ما يُعرف بمصطلح «تدابير مؤقتة»، تمهيدا لصدور حكمها النهائي في هذه القضية.
وكنت أتساءل دائما: لماذا نهتم بالمنظمات والمؤسسات الدولية حين تقع المصائب وتحل المآسي في الدول العربية؟ ولماذا لا نعير أعمال أو نشاطات هذه المنظمات والمؤسسات اهتماما إلا حين يتعلق الأمر بالأوضاع في هذه الدول؟ فلماذا لم نهتم مثلا بالقضية التي رفعتها دولة غامبيا على ميانمار أمام محكمة العدل الدولية في عام 2019 واتهمتها بارتكاب إبادة جماعية ضد الروهينغا؟
كلنا يعلم أن الغالبية العظمى من الروهينغا هم من المسلمين، ولم نتابع هذه القضية ونعطيها حقها من الاهتمام، وذكر عدد من القانونيين أن القضية التي رفعتها غامبيا ضد ميانمار تُعّد سابقة مهدت الطريق لجنوب إفريقيا لرفع قضيتها الحالية أمام محكمة العدل الدولية، ويجب ألا ننسى، وفي سياق ما يحدث في الأراضي العربية المحتلة الرأي الاستشاري المهم والمتميز الذي أدلت به محكمة العدل الدولية عام 2004 بخصوص جدار الفصل العنصري في هذه الأراضي، واعتبرت المحكمة وقتها أن تشييد هذا الجدار لا يعد دفاعا عن النفس ولكن دفاعا عن الاحتلال.
كم منا يعرف، وفي خضم هذا الاهتمام والانشغال الحالي بمحكمة العدل الدولية وأعمالها، عدد القضاة من البلدان العربية الذين يشغلون منصبا في هذه المحكمة؟ وكم من بين المهتمين بالقضية المعروضة حاليا أمام المحكمة يعرف إن كانت دولته قد قبلت بالقضاء الإلزامي لها؟
لقد صدر كتاب بعنوان: قضاة لبنانيون وعرب في محكمة العدل الدولية، لمؤلفه القاضي بسام إلياس الحاج، كما صدر لي كتاب هذا العام بعنوان: «قاضيان سوريان في محكمة العدل الدولية»، في محاولة للتعريف بنظام محكمة العدل الدولية واختصاصاتها وأعمالها، وللتعريف كذلك بالقضاة السابقين والحاليين من الدول العربية في هذه المحكمة.
ونذكر بهذا الخصوص بأنه يوجد حاليا ثلاثة قضاة من الدول العربية في المحكمة: القاضي محمد بنونه من المغرب، والقاضي عبدالقوي أحمد يوسف من الصومال الذي شغل منصب رئيس المحكمة بين أعوام 2018 و2021، والقاضي نواف سلام من لبنان.
يوجد العديد من المنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية التي تستحق منا الاهتمام والتعريف بأعمالها ونشاطاتها مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة والمعروفة بمصطلح (اليونسيف)، ويجب ألا ننسى أيضا اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأعمال والنشاطات المتميزة التي تقوم بها، ومختلف فروعها ومكاتبها في البلدان العربية، بالإضافة إلى المنظمات الدولية غير الحكومية الأخرى مثل أطباء بلا حدود، وأطباء العالم، وهي منظمات تقوم بنشاطات ملحوظة في قطاع غزة وتعمل على التخفيف من المعاناة التي يعيشها سكانها حاليا.
لعله من المناسب أن نوازن في اهتماماتنا بين الأوضاع القائمة والأوضاع المستجدة بما تحمله من أحداث وتطورات تعنينا في عالمنا العربي، وإذا كان الاهتمام منصبا الآن على محكمة العدل الدولية وأعمالها، وقبله انشغلنا ولا نزال بالمحكمة الجنائية الدولية ودورها، وبما يمكن أن تفعله إزاء الأوضاع في قطاع غزة، وما لاحظناه كذلك من قصور فيما يتعلق بدور المدعي العام لهذه المحكمة إزاء هذه الأوضاع، فإن هذا الاهتمام والانشغال بأعمال ونشاطات كل من هاتين المحكمتين، يجب أن يستمر لا أن يكون مؤقتا وأن يمتد أيضا إلى نشاطات العديد من المنظمات الدولية الحكومية منها وغير الحكومية والتي تهتم بدورها بالأوضاع في الدول العربية.
* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا