الفكرة التي قام عليها «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر هي إعلان وجود شعب مقهور سلبت منه أرضه، هي عقيدة إيمانية راسخة في أعماق نفوس المجاهدين والمقاومين للاحتلال الإسرائيلي العالمي، والعبرة التي تقوم عليه حرب الإبادة الجماعية هي عبرة لكل من تسول له نفسه أن يتطاول على أفيال مجلس الأمن الاستعمارية، ويفعل ما فعله «طوفان الأقصى» بهيبة هذه الأفيال على مرأى ومسمع من العالم كله وإسرائيل قاعدتهم العسكرية في الشرق الأوسط، فهم الذين أنشأوا الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتأديب وعقاب الدول المستضعفة، والتي أخضعها ميثاق الأمم المتحدة لفيتو الأفيال وشتان بين هذه العبرة التي قامت عليها حرب الإبادة الجماعية التي تجري محاكمتها أمام محكمة العدل الدولية وهي خطيئة، وبين الفكرة التي قام عليها إعلان «طوفان الأقصى» للوجود الفلسطيني، وقد نفض عن القضية الفلسطينية الغبار الذي كساها من صمت عالمي وسكون الأمة العربية والإسلامية والهرولة نحو التطبيع مع الكيان (الصهيوني)، وضمير عالمي وإنساني غائب، فالفارق بينهما كالفارق بين الثرى والثريا، فالفكرة التي تقوم على إرادة الحياة عقيدة لا تموت أبدا، والعبرة التي تقوم على إرادة الفناء تزول كما يقول الشاعر أبوالقاسم الشابي في قصيدته إرادة الحياة:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ
فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي
وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وليس من المفروض أن يدفع الشعب الفلسطيني أرضه وحياته وتراثه وكنائسه ومساجده تكفيرا عن ذنب لم يرتكبه وهي المحرقة النازية لليهود والتي ارتكبتها الدولة الألمانية في الحرب العالمية الثانية، وهي دولة من دول أفيال ما قبل هذه الحرب، وأن يستمر في دفع هذا الثمن أكثر من سبعين عاما من الذل والهوان وصنوف القمع والقهر والتشريد وألوان إذلال وطمث للهوية وإهدار للكرامة، وحصار مفروض عليه يهدده بالموت جوعاً.
محكمة العدل الدولية
وتتكون هيئة المحكمة من خمسة عشر قاضيا يتم انتخابهم على أساس مؤهلاتهم العلمية، لا على أساس جنسياتهم، على أن تراعى نظم العالم القانونية الرئيسة في المحكمة، ويتم انتخاب أعضائها، باقتراع مستقل في كل من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، أي أن الفيتو الذي تملكه الدول الخمس الأعضاء في هذا المجلس يكون له الدور الأهم في هذا الاختيار.
ومع ذلك فقد استطاعت هذه المحكمة أن ترسخ وجودها في ضمير العالم، عندما أدانت إسرائيل في الجدار العازل والاستيطان، وأدانت روسيا بعدوانها على أوكرانيا وأن للدول الحق في أن تكون طرفا في هذه الدعاوى، وأحكام المحكمة ملزمة للدول التي صدرت الأحكام في مواجهتها، وهي واجبة التنفيذ، إلا أنه ليس لدى المحكمة القوة الجبرية لتنفيذ أحكامها، فهي تعتمد في ذلك على مجلس الأمن وصلاحياته التي ينص عليها الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ومن الجدير بالذكر أن أميركا لم تستخدم حق الفيتو (حق الاعتراض) على تصديق مجلس الأمن على قرار المحكمة الخاص بالاستيطان الاسرائيلي في فترة رئاسة أوباما للولايات المتحدة الأميركية.
ولهذا تعلق شعوب العالم آمالا كبيرة على حكمها في القضية الفلسطينية المطروحة الآن على ساحتها، ولو استخدم بايدن الفيتو في مجلس الأمن على أي قضاء تصدره في هذه القضية، لأن قضاءها سيلطخ سمعة إسرائيل والاستعمار العالمي المتمثل في حكومات أميركا وبريطانيا وفرنسا، فضلا عن الدول الحليفة لها مثل ألمانيا وكندا وغيرهما بالعار.
جنوب إفريقيا
وهي الدولة التي عانت من الاحتلال الهولندي بواسطة شركة الهند الشرقية الهولندية منذ عام 1652، ومن الاحتلال البريطاني الذي حل محل هولندا 1814 وقد أطلق على العنصرية التي استخدمها البيض المحتلون مع السود أصحاب الأرض الأصليين، الأبارتايد التي أعلنت فيها حكومة البيض صراحة، وطبقوها فعلا عدم المساواة بين رعاياها من السكان.
وكانت الأبارتايد تقوم على تصنيف السكان الى بيض لهم كل الحقوق وسود يحرمون من كل الحقوق، عدا ما تحدده لهم الحكومة العنصرية من أماكن للسكن تشكل 13% من مجموع مساحة جنوب إفريقيا، بالرغم من أن عددهم كان 15 مليونا، في حين كان السكان المنحدرون من أصول أوروبية يبلغ تعدادهم 4 ملايين نسمة، كما تحدد لهم نوعية العمل وحدود التعليم والتحرك والزواج.
وقد قاد السود الزعيم نيلسون مانديلا، الذي قضى في السجن ربع قرن، دفاعا عن قومه، ضد الأبارتايد وخرج من السجن ليتوج رئيسا لجنوب إفريقيا بعد أن تحررت من الحكم العنصري، ومن هنا كانت جنوب إفريقيا الدولة الأحق والأجدر برفع دعوى الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.