ما زال تمثيل المرأة في مجالس إدارات الشركات المدرجة في بورصة الكويت دون المستوى المأمول، ولا يقتصر ذلك على الكويت وحدها، إذ يمتد ليشمل دولاً عديدة حول العالم، فمنذ بداية القرن العشرين طالبت النساء بمساواتهن مع الرجال أمام القانون من حيث الحقوق، كحقي التصويت والترشح للمجالس النيابية المنتخبة، وتولي بعض الوظائف العامة التي كانت حكراً على الرجال كالنيابة العامة والقضاء، والحق في قبولهن في بعض التخصصات المُسيطِر عليها الرجال كالقانون وبعض التخصصات الهندسية.

وفي المقابل، حصلت النساء على حق الترشح لعضوية مجالس إدارات الشركات المدرجة، لكن نسبة تمثيلهن لا تزال ضئيلة في معظم الدول، وانتهت دراسة حديثة أعدتها الجريدة مؤخراً (العدد 5510 - تاريخ 13/12/2023) إلى أن نسبة تمثيل المرأة في الشركات المساهمة العامة في بورصة الكويت هي 5.1% فقط، بعدد 52 مقعداً من أصل 1003 مقاعد، وأنه لا وجود للمرأة إلا في 66 شركة مساهمة عامة مدرجة من أصل 150.

Ad

وقد يسأل سائل: ألا يُعد ذلك قصوراً في مَنْح المرأة بعضَ حقوقها؟ ذلك أن المرأة تستطيع أن تترشح لعضوية مجلس الإدارة في الوقت الحالي، تماماً كالحق الممنوح لها في الترشح للانتخابات العامة، لكن مسألة فوزها في العضوية من عدمه تعتمد على توجهات المصوِّتين، فلا ضرورة لتدخل تشريعي يكون به تمثيل المرأة إجبارياً بمَنْحها بعض المقاعد عبر نظام «الكوتا النسائية»، لمعالجة الفجوات الجندرية داخل مجالس إدارات الشركات، لما قد يمثله ذلك من الإخلال بحقّ المساواة بين الجنسين، إذ يُمنح المقعد فيه للمرأة لنوعها البيولوجي على حساب المؤهِّلات.

وفي المقابل، يرى البعض أن الواقع يتطلب ذلك، فالعديد من النساء المؤهَّلات لإدارة الشركات بجدارة قد لا يحالفهن الحظ لعدة أسباب، أهمها كَون العديد من النساء المساهمات في الشركات ليس من أولوياتهن موضوع التصويت في انتخابات مجلس الإدارة، ومن ثم تخسر المرأة دعم المرأة.

إضافة إلى أن مسألة التصويت بالوكالة Proxy Voting لاختيار أعضاء مجلس الإدارة لا تزال ممارسة رجالية بامتياز.

على أن التوجه العالمي في العقد الأخير هو إلى منح المرأة هذا الحق، أي: ضرورة التمثيل النسبي للمرأة لتكون لها فرصة لشَغل منصب في مجلس الإدارة، وإن لم تكن مماثلة لحظوظ نظيرها الرجل، إذ تشير الإحصائيات إلى أن تمثيل النساء في مجالس الإدارات عالمياً لا يتجاوز 19.7% من المقاعد.

والأمثلة على ذلك كثيرة، أحدثها ضوابط الترشح لعضوية مجلس الإدارة في دولة الإمارات العربية المتحدة، الواردة في قرار رئيس مجلس إدارة هيئة الأوراق المالية والسلع رقم 3 لسنة 2020 بشأن اعتماد دليل حوكمة الشركات المساهمة، الذي أوجب كقاعدة عامة ألا تقل نسبة تمثيل المرأة عن 20% من تشكيل مجلس الإدارة.

وفي خطوة غير مسبوقة لزيادة فرص تمثيل المرأة، أصدر الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2022 التوجيه رقم 2381/2022 الذي حظي بموافقة البرلمان الأوروبي، الهادف إلى أن تشغل النساء بحد أدنى ما لا يقل عن 40% من مقاعد مجالس الإدارات في الشركات المدرجة بالدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة بحلول منتصف عام 2026، وهو الموعد الذي ستفرض معه جزاءات على الشركات غير الملتزمة.

في الحقيقة، لم يَمر هذا التوجيه بسهولة، فقد تخللته بعض الاعتراضات من الدول التي ترى أن مثل هذا الأمر يجب أن يترك لبرلمان كل دولة عضو على حدة، لرسم السياسة العامة بشأنه، عوضاً من أن يفرضه الاتحاد الأوروبي.

في المقابل، يرى المؤيدون أن هذا التوجيه الصادر بصورة قانون ملزم هو آخر الحلول، ذلك لإخفاق كل المبادرات على المستوى الفردي الساعية إلى تحقيق الهدف نفسه.

على أن هذه القوانين قد لا يكتب لها النجاح دائماً، ففي الولايات المتحدة، تعد كاليفورنيا أول ولاية يصدر فيها قانون في سبتمبر 2018 يلزم الشركات المساهمة العامة المتخذة للولاية مقراً لها بالتمثيل النسائي، وجاءت نصوص القانون ناعمة: يجب أن تكون ثمة على الأقل امرأة واحدة في مجالس الإدارات المشكلة من أربعة أعضاء فأقل، وامرأتان على الأقل في تلك المشكلة من خمسة أعضاء، وثلاث نساء على الأقل في المجالس ذات الستة أعضاء فأكثر.

وأحدث هذا القانون ضجة على مستوى الولاية ككل، وتجاهلته بعض الشركات كلياً قبل رفع دعوى قضائية في إحدى المحاكم المختصة في مدينة لوس أنجلوس عام 2022 Crest v.Padilla، L.A. Superior Court تُطالب بإلغائه، لشبهة عدم الدستورية استناداً إلى عدة دفوع، أولاً: لتعارض نصوص القانون مع بندٍ دستوري أصيل على المستويين الفدرالي والمحلي في الولاية، وهو بند الحماية المتساوية Equal Protection Clause لجميع الناس أمام القانون، دون النظر إلى جنسهم.

ثانياً: لتعارضه مع قوانين الحقوق المدنية على المستوى الفدرالي، والتي تكفل الحماية نفسها.

ثالثاً: لتعارضه مع مبدأ إدارة الشركة في قانون الشركات لولاية كاليفورنيا، الضامن للحرية التعاقدية في تحديد البنود في عقد الشركة.

استجابت المحكمة لهذه الدفوع، وقضت بعدم دستورية القانون، على الرغم من تحقيق القانون نتائج جيدة رفعت من التمثيل النسائي في شركات ولاية كاليفورنيا المساهمة من 15.5% إلى 33.33% قبل القضاء بعدم دستوريته.

ومع نهاية سبتمبر من العام الحالي، نزلت هذه النسبة إلى 32.75%، وتشير الدراسات إلى أنها في طريقها للنزول أكثر في ظل عدم وجود قانون ملزم.

أما في الكويت، فما زال موضوع الكوتا النسائية في مجالس إدارات الشركات المساهمة العامة في بورصة الكويت محل نقاش على استحياء، دون أن ينال مزيداً من تسليط الضوء عليه.

على أرض الواقع، قد تثير مسألة تنقيح قانون الشركات الكويتي، بزيادة مقاعد المرأة في إدارة الشركة، شبهة عدم الدستورية، لتعارضها مع نصوص واضحة في صدر الدستور.

وقد لا تحبذ بعض السيدات هذه الطريقة، لرغبتهن في الوصول إلى هذه المقاعد عن طريق الكفاءة دون أي شيء آخر.

في كل الأحوال، ثمة وسائل قانونية متاحة في القانون الكويتي، يمكن من خلالها زيادة تمثيل المرأة في مجالس إدارات الشركات المدرجة في بورصة الكويت، وإن لم تكن نتيجتها مضمونة في كل الحالات، أولها: التصويت التراكمي، وهو التصويت الذي يستطيع المساهمون من خلاله منح مجموع أصواتهم لمرشح واحد فقط دون توزيعها على باقي المرشحين، كالمعمول به في التصويت العادي، ومن ثم يمكن للمساهمين الداعمين لعدد من المرشحات النساء حشد كل ما يملكونه من أصوات ضمانا لشغلهن مقاعد في مجلس الإدارة.

ويسمح القانون الكويتي في المادة (209) من قانون الشركات باختيار نظام التصويت التراكمي عبر تبنيه في عقد الشركة.

ثاني هذه الوسائل هو تعيين المرأة كعضو مستقل في مجلس الإدارة عبر اختيار الجمعية العامة العادية لها، استناداً إلى نص المادة (187) من قانون الشركات، ووفقاً للنسبة التي حددتها لائحة حوكمة الشركات لقانون هيئة أسواق المال للأعضاء المستقلين، وهي 20% من إجمالي مجموع أعضاء مجلس الإدارة على الأقل.

ثالثها هو الخاص بتعيين ممثلين للمساهم، سواء أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً، في مجلس إدارة الشركة بنسبة ما يملكه من أسهم فيها وفقاً للتراتبية المنصوص عليها في المادة (188) من قانون الشركات.

فهنا، يستطيع المساهم المسيطر الفرد والمساهم الاعتباري كالدولة وغيرها من الكيانات الاستثمارية والشركات - استخدام قدرته التصويتية لتعيين ممثلات له من النساء ذوات الكفاءة في مجلس الإدارة.

آخرها هو وسيلة انتقالية خاصة بمجلس الإدارة الأول في الشركة في حال نص عقد الشركة على انتخاب عدد لا يجاوز نصف أعضاء مجلس الإدارة الأول من بين مؤسسي الشركة، وفقاً لنص المادة (182) من قانون الشركات.

فمع وجود سيدات من بين المؤسسين للشركة، تزداد فرص تمثيل المرأة في أول ثلاث سنوات من عمر الشركة، وهي المدة الخاصة بالعضوية في مجلس الإدارة.

* أستاذ القانون التجاري وأسواق المال

كلية الحقوق – جامعة الكويت