لماذا فشلت الحكومات السابقة؟
التفاؤل الواسع الذي سادت أجواؤه أهل الكويت بتسمية الشيخ الدكتور محمد صباح السالم رئيساً لمجلس الوزراء يكشف حجم الحزن والألم والتراجع الذي شهدته البلاد لمرحلة طويلة، وورّث ذلك أجواءً من خيبة الأمل واليأس وفقدان الثقة بالحكومة والمؤسسات وبإمكانية استعادة الدولة لمكانتها السابقة!
فمنذ عام 1962 حتى 1992 استمر تكوين الحكومات، عموماً، من شخصيات توزَّر لكفاءتها ومؤهلاتها وقدرتها على النهوض بالمسؤوليات الوزارية من جهة، والسياسية في مجلس الوزراء من جهة أخرى، بل كان الانسجام عنوانها ومواجهة القضايا بحسم وفاعلية نمطها، مع وقوفها بنديّة في مواجهة مجلس الأمة عند تجاوزه اختصاصاته، أو التعدي على اختصاص الحكومة وحدودها الدستورية، فلم يكن الوزراء يخافون الاستجواب والمساءلة، بشكل عام، حتى حدث التحوّل منذ عام 1996 وكلما أتت حكومة بعد ذلك كانت أكثر تفككاً وضعفاً من الحكومة التي سبقتها، حتى أصبح الوزير الواحد المؤهل بالحكومة عملة نادرة.
ويعزى التغيير إلى أسباب منها تكوين الحكومات على قواعد هشة مثل المحاصصة والترضيات النيابية والاستجابة لنواب فاسدين ومفسدين أو توزير المفاتيح الانتخابية أو أقربائهم، فصار هاجس الحكومات إرضاء النواب، بل إن الوزراء عندما يبيحون لأنفسهم شيئاً من التعيين أو التنفيع أو الخضوع لابتزاز بعض النواب الذين يكون غرضهم استنزاف الوزراء لمصلحتهم، فيستجيبون للضغط، وهو ما يثير - ربما- شبهة إخفائهم شيئاً يخشونه أو أنهم دون مستوى المسؤولية. وقد زادت وتيرة النواب الفاسدين وطموحهم بالهيمنة على الوزراء تحت ستار الغطاء النيابي، ويكون ذلك بالتنازل أو المحاصصة وغيرهما من مظاهر الفساد. فأصيب العمل البرلماني بالهزال والتكسب والتنفيع، والعمل الحكومي بالفشل والتفكك والضعف، مما قوض مؤسسية مجلس الوزراء.
وفي ظل اختلاط الأدوار وهيمنة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية، بعد إخضاعها وتخويفها وابتزازها، من أغلبيات، ربما فاسدة أو قناصة فرص أو تبحث عن مكاسب أو منافع سياسية أو انتخابية أو مالية، وهو ما وقعت به الحكومات السابقة فصارت ضعيفة وعاجزة بسبب الفساد أو الاستئثار للنفس أو التمسك بالكرسي، مما جعلها هدفاً سهلاً لابتزاز النواب، غدت الحكومة مجموعة من الهواة والمصرّفين للأعمال من الموظفين الذين اعتادوا تلقي الأوامر وتخليص المعاملات، ولم يعهد عنهم ثقة بالنفس وندية للأعضاء وقدرة على القرار، فزاد الفساد والإفساد واختلطت الأدوار برعاية برلمانية، على نحو محزن ومؤلم!
ولم يضيّع الحكومات السابقة سوى الهرولة خلف سراب الغطاء النيابي الذي يمثل حماية لها، وهو غطاء هش ومزاجي ومصلحي يبيع ويشتري برئيس الوزراء ووزرائه بكل حدث ومناسبة!
ولذلك فالناس يتطلعون إلى حكومة أساس تكوينها القوة الذاتية لكل وزير ومهنيته وقدرته على اتخاذ القرار والندية بلا خوف أو تردد أو توارٍ، مع تجانس الفريق الوزاري، وقبوله للقضايا الأساسية لحكومة إعادة الاعتبار إلى البلد، ليكون هو برنامج عملها، الذي ينطلق بركائزه من النطق السامي لصاحب السمو في جلسة أداء القسم في 20 ديسمبر، وما تضمنه من استحقاقات ينتظرها أهل الكويت، ذلك أن مسؤولية التنمية وفقا للمواد 20 و123 و140 تقع على عاتق الحكومة، والتنمية ضرورة ملحة وهي علاج موجع ومر لا يتوافق مع المزاج والرغبات الشعبية، ولذلك لن تتحقق التنمية بقرارات شعبية، ومن ثم فإن تعاون المجلس من عدمه لا يعدو أن يكون عاملاً مساعداً أو مثبطاً حسب الأحوال، لكنه يجب ألا يكون حائلاً دون تحقيقها.
وكل ذلك يكون وفقاً للمادة 98 من الدستور، ولا يصح أن تسيّر الحكومة خارطة تشريعية تفتئت على اختصاصها، إذ إن 75 في المئة من مضمونها هي من صميم اختصاص الحكومة ولا تحتاج للقانون.
فالحكومة القوية المتجانسة، التي تتسم بالحزم والندية والمواجهة ومصارحة الناس أولاً بأول، ستكشف ضعف مطالب أعضاء المجلس المنتفعين المتكسبين.
هذا ما ينتظره أهل الكويت يا رئيس الوزراء المكلف.
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.