بما أن صندوق النصائح قد فتح حالياً وخرج مارد النصح من قمقمه أثناء مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، فخذي يا حكومة التكليف هذه النصيحة من مواطنك البسيط و«حشر مع الناس عيد» كما يقال، أي حكومة قادمة عليها أولاً كي تنجح أن تحيد المطالب الشعبية وتخرجها من ملعب صراع السلطتين لتتفرغ بعدها إلى مطالب الدولة كما يفترض بأي حكومة.
وتحييد المطالب الشعبية من الحكومة القادمة يكون بمبادرة سريعة منها دون انتظار، وبيدها لا بيد عمرو، بشرط ألا تتجاوز الشهور الأولى من عمرها، فالتأخير يولد السخط، والسخط سيصعب عمل أي حكومة داخل المجلس، فهو سيولد ضغطاً آخر على النواب من قواعدهم تحت قبة عبدالله السالم، والنواب يريدون حماية ظهرهم الانتخابي، ولن يفرطوا في ذلك لأجل عيون أي حكومة، «وما دون حلق الصندوق إلا أيدين الاستجوابات والاقتراحات» التي قد تشط وتتجاوز الحد ولا تخدم عنب المطالب ولا ناطور الآمال الشعبية، لندخل في دائرة «حيص بيص» جربناها مع مجالس سابقة وحكومات سابقة، ولا نطول عنب اليمن ولا بلح الشام كالعادة.
وعلى أي حكومة قادمة كذلك أن تعلم جيداً أن المواطن البسيط هو بسيط فعلاً وجل همه هو راتبه ومطالب أسرته وحمايته من موجة غلاء المعيشة، وسعار البيروقراطية، ومخاوفه على مستقبل أبنائه، وهي خطوة كان ينتظرها مع كل تشكيل، وتأخرت كثيراً، ولا تحتمل تأخيراً آخر، وإنهاؤها سيكون عبر قرار حكومي مدروس يرسم بداية مبشرة تجعل أي حكومة قادرة على تلبية مطالب الدولة، وهي تملك وراءها دعما ورضا شعبيا لا يستطيع أي مجلس أن يؤثر فيه أو يقف في وجهه.
ولا شك أن مطالب الدولة أكثر تعقيداً من المطالب الشعبية، ولكن يمكن تحقيقها عبر رؤية واضحة لا تقفز فوق النقاط بل تضعها على حروفها التنموية، وبالإمكان تلخيصها في مصدر دخل مستدام يخفف اعتمادنا على النفط، وتعليم يتناسب مع خطط المستقبل، وصحة تسخر مواردها الضخمة لعلاج المجتمع بشكل منهجي وصحيح، وقطاع عام يأخذ بقدر ما يعطي ولا ينقص الكيل، وقطاع خاص يبلغ الفطام، ويستغني عن حليب ماما الحكومة، ليساهم في دخل الدولة بشكل حقيقي لا مصطنع، وبنى تحتية تمد رجليها بحسب ثوب ثروة البلد، وتتناسب مع مكانته، وغيرها من مطالب الدولة التي لا بد من تحقيقها بشرط تجاوز عقبة المطالب الشعبية أولاً، وهنا مربط الفرس، فهذه العقبة كانت وما زالت سبب التأزيم الحقيقي داخل المجالس، وسبب التذمر الشعبي الذي وصل إلى مرحلة الملل من الوعود والتمنيات والتخبط والتجاهل.
حكومتنا الرشيدة القادمة اعقليها وتوكلي، والتفتي لمطالب شعبك البسيط، وسنلحق الأمور المعقدة الأخرى، وسيكون مصدر السلطات درعك وغطاءك ولن يهزك شيء بعدها.
أخيراً النصيحة ليست بجمل فقط بل هي بقافلة فصل تشريعي كامل.