غداة قصف إيراني صاروخي عابر للحدود لأهداف في إقليمي كردستان العراقي، وبلوشستان الباكستاني، ومناطق في سورية، بذريعة مهاجمة مقرات لـ«الموساد» الإسرائيلي والجماعات المتشددة، وبالتزامن مع مواصلة فصائل متحالفة مع طهران، شن هجمات في أنحاء متفرقة بالشرق الأوسط، حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، من احتمال كبير لامتداد الحرب في أنحاء المنطقة، واصفاً الوضع في غزة، التي تتعرض لعدوان عسكري إسرائيلي منذ 103 أيام، بـ«المدمر».

وقال بلينكن، خلال مشاركته في منتدى «دافوس» المنعقد في سويسرا، أمس، إن الوضع في غزة يعزز قناعته بـ«ضرورة إيجاد طريقة أخرى تجيب عن المخاوف العميقة لإسرائيل».

Ad

ورأى بلينكن أنه «يجب تطوير السلطة الفلسطينية وتوحيدها، والدولة الفلسطينية بحاجة إلى هيكل حكومي يمنح الناس ما يريدون ويعمل مع إسرائيل».

وأعرب عن اعتقاده بأن ثمة فرصة كبيرة للتطبيع مع إسرائيل في المنطقة، لكنه شدد على أنه لن يكون هناك تكامل إقليمي في المنطقة دون اعتراف بدولة فلسطينية، وتطوير السلطة التي يتزعمها الرئيس محمود عباس.

وأكد ضرورة زيادة المساعدات إلى غزة، مشدداً على الدور الذي يجب أن تلعبه إسرائيل في تخفيف المعاناة الإنسانية.

ورداً على سؤال عما إذا كانت حياة اليهود أكثر أهمية من حياة الفلسطينيين، قال: «لا بشكل قاطع»، مضيفاً أن «ما نراه في غزة أمر صادم، والمعاناة تفطر قلبي والسؤال هو ما الذي يجب فعله».

وجدد تأكيده على أن انسحاب الولايات المتحدة من «الاتفاق النووي» مع إيران كان خطأ.

وأمس الأول، لفت الوزير الأميركي إلى أن الدول العربية تطالب بوضع مسار جدي لإقامة دولة فلسطينية من أجل العودة إلى «معادلة جديدة» كانت تتبلور في المنطقة لدمج إسرائيل وإحلال السلام والازدهار.

غضب عراقي

وجاء تحذير بلينكن من توسع الحرب إقليمياً في وقت تواصلت ردود الفعل الغاضبة تجاه الضربات الإيرانية بأنحاء المنطقة، إذ أعرب وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين عن أسفه لأن العراقيين يدفعون ثمن التوتر بين واشنطن وطهران، مشدداً على أن مهاجمة طهران لأربيل، وربطها لذلك بالرد على الاغتيالات التي تقوم بها إسرائيل، لكوادر إيرانية وعناصر بجماعات «محور المقاومة»، بالإضافة للهجوم الإرهابي الذي وقع أخيراً في كرمان، هو انتهاك للقانون الدولي.

وعد حسين في مقابلة مع شبكة «CNN» الضربة الإيرانية لأربيل «استسهالاً»، من جانب طهران لتفادي صدام مباشر كبير، وقال: «عادة يدور القتال على الأراضي العراقية بحال ارتفاع التوتر بين واشنطن وطهران. والآن التوتر بين الإسرائيليين وإيران، وهذا أيضاً هو نفسه»، معتبراً أنه «لهذا السبب فإن الإيرانيين لا يريدون أو لا يستطيعون مهاجمة إسرائيل، فهم يبحثون عن الضحايا من حولهم، ويهاجمون أربيل».

وفي حين أشار حسين إلى تقدّم بغداد بشكوى لمجلس الأمن الدولي، أفادت الخارجية العراقية بأن الجامعة العربية ستعقد اجتماعاً لبحث العدوان الإيراني على العراق.

وألغى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، اجتماعهما مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان على هامش مشاركتهم في منتدى «دافوس» احتجاجات على القصف الذي تسبب بمقتل رجل أعمال كردي بارز، وتاجر عراقي يحمل الجنسية البريطانية، و4 من أفراد عائلتيهما.

وخلال لقاء جمع بارزاني مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أدان الأخير الهجوم الإيراني.

وفي حين لوح وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي بتعليق الاتفاقية الأمنية مع إيران بعد الهجوم المدان على أربيل، أفيد بأن أن رئيس وزراء العراق، محمد شياع السوداني، والأمين العام لـ«الناتو» ينس ستولتنبرغ اتفقا على خطوات تنفيذية لترتيب إنهاء مهمة قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق عبر إجراء حوارات ثنائية.

وتزامن ذلك مع تهديد جماعة «حزب الله العراق»، المتحالفة مع طهران، بزيادة هجماتها التي تهدف للضغط على الحكومة الاتحادية بهدف تسريع رحيل القوات الأميركية.

وقالت الجماعة العراقية، في بيان منسوب لها، إنها لا تعارض قصف «الحرس الثوري» لأهداف بإقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، ونصحته بتوجيه ضربات لدول خليجية.

وأضافت في البيان: «ولو سألنا الحرس الثوري عن الهدف الأفضل بالرد على جريمة كرمان، لكان رأينا هو ضرب السعودية والإمارات».

باكستان تريد اعتذاراً

في غضون ذلك، أعلنت الخارجية الباكستانية أن إسلام آباد استدعت سفيرها لدى إيران، وقررت عدم السماح بعودة السفير الإيراني لديها والذي يقوم بزيارة بلاده في الوقت الراهن، احتجاجاً على شن «الحرس الثوري» لقصف صاروخي على مقرات قال إنها لجماعات إرهابية انفصالية في إقليم بلوشستان الباكستاني أمس الأول.

وأدانت باكستان بشدة «الانتهاك غير المبرر لمجالها الجوي من جانب إيران، والضربة التي أسفرت عن مقتل طفلين بريئين وإصابة ثلاث فتيات».

وقالت في بيان إن «الانتهاك لسيادة باكستان غير مقبول على الإطلاق، ويمكن أن تكون له عواقب وخيمة»، مردفة أن «الأكثر إثارة للقلق هو أن هذا العمل غير القانوني قد حدث رغم وجود عدة قنوات اتصال بين باكستان وإيران».

وشددت «الخارجية» في بيانها على أن إسلام آباد قالت دائماً إن الإرهاب يمثل تهديداً مشتركاً لجميع دول المنطقة، ويتطلب عملاً منسقاً، مبينة أن مثل هذه الأعمال الانفرادية لا تتفق مع علاقات حسن الجوار، ويمكن أن تقوض بشكل خطير الثقة الثنائية.

البيان أشار الى أنه تم تقديم احتجاج باكستان القوي إلى المسؤول الكبير المعني في وزارة الخارجية الإيرانية في طهران، مشيرة إلى الاحتفاظ بحق الرد على الإجراء الإيراني، وبوقف تبادل الوفود رفيعة المستوى بين البلدين، كما طالبت إسلام آباد طهران بتقديم اعتذار رسمي.

وجاء ذلك في وقت وقعت مواجهات مسلحة بين قوات حرس الحدود الإيرانية وعناصر من تنظيم «جيش العدل» البلوشي المعارض بعد شن الأخيرة لهجوم على نقطة حدودية بمدينة راسك بمحافظة سيستان وبلوشستان المضطربة.

وقال قائد قوات حرس الحدود الإيراني، اللواء أحمد كودرزي، إن «عناصر التنظيم كانت تخطط للتوغل داخل الأراضي الإيرانية والقيام بأعمال تخريبية عبر الحدود الشرقية».

وتحدث عن قتل أحد أفراد «المجموعة الإرهابية» وإصابة 2 قبل فرارهما إلى مناطق باكستانية.

تبرير وإصرار

في المقابل، بررت الحكومة الإيرانية، في رسالة لمجلس الأمن الدولي، أن القصف الذي شنه الحرس الثوري ليل الاثنين كان «ضرورياً وجاء متناسباً مع قواعد وقوانين حقوق الإنسان للرد على الهجوم الإرهابي الأخير في محافظة كرمان»، مؤكدة «التزامها المطلق باحترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي كل من العراق وسورية وباكستان».

وأمام عاصفة الانتقادات والادانات الدولية والإقليمية للهجوم الإيراني العابر للحدود، أكد وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان في «دافوس» أن الضربات على العراق استهدفت أنشطة «الموساد» الإسرائيلي ضد طهران، لافتاً إلى «تقديم معلومات استخباراتية إلى بغداد» بشأن تلك الأنشطة.

وقال إن طهران سترد بقوة على أي هجوم على أمنها القومي، مشيراً إلى أن الضربات استهدفت إرهابيين مرتبطين بإسرائيل في باكستان.

في موازاة ذلك، دافع وزير الدفاع الإيراني العميد محمد اشتياني عن هجوم «الحرس الثوري» الصاروخي الإقليمي، قائلاً إن «الدفاع عن المصالح الوطنية لا يخضع لأي قيود وسيتم بكامل القدرات الدفاعية». وكان مسؤول إيراني قال في وقت سابق، إن بلاده ستستخدم صواريخها كلما دعت الحاجة إلى ذلك.

من ناحية أخرى، رأى عبداللهيان أن «الجميع متفق ومقتنع بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيسقط بعد 10 دقائق من توقف حرب غزة»، مؤكداً أن هجمات «محور المقاومة» على إسرائيل ومصالحها ستنتهي إذا انتهت حرب غزة.

حرب كبرى

في هذه الأثناء، حذر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال استقباله وزير خارجية اليونان جورج جيرابتريتيس، من خطوة التصعيد العسكري في المنطقة على أكثر من جبهة، مشدداً على ضرورة نزع فتيل الوضع المتأزم الحالي، ووقف إطلاق النار بغزة لتفادي اشتعال «حرب كبرى».