الحرب الإقليمية التي تجنبها الجميع بدأت بالفعل
باكستان تقصف داخل إيران ووساطات دولية وإقليمية لوقف التصعيد
• «حزب الله» يرفض مقترحات أميركية للتهدئة مع إسرائيل
• ضربات أميركية جديدة على اليمن والحوثيون يواصلون الهجمات البحرية
أظهرت الأحداث في الأيام الأخيرة أن الحرب الإقليمية، التي كان الجميع يحاول تجنبها منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر التي أطلقت آلة القتل الإسرائيلية ضد قطاع غزة، قد بدأت بالفعل.
ومع تجدد الضربات الأميركية على جماعة أنصار الله الحوثية، التي تعهدت بمواصلة الهجمات على السفن في البحر الأحمر الحيوي بالنسبة للتجارة العالمية، أثار رد باكستان الحازم على القصف الإيراني داخل أراضيها مخاوف من اتساع دائرة الصراع أكثر مما كان متوقعاً، في ظل وساطات دولية وإقليمية لوقف التصعيد.
وقصف جيش باكستان، الدولة النووية، التي خاضت عدة حروب في العقود الماضية، مواقع داخل إيران، رداً على قصف إيراني مماثل، قبل أيام، قالت طهران إنه استهدف متمردين سنّة على علاقة بإسرائيل.
جاء ذلك في وقت قالت «رويترز»، إن حزب الله اللبناني رفض مقترحات أميركية للتهدئة مع إسرائيل، وإنه لن يقدم تنازلات قبل وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي يبقي جبهة لبنان في عين العاصفة.
ووسط هذه التطورات، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن الصراع الإقليمي بدأ بالفعل، وإن السؤال هو مدى حدته والقدرة على احتوائه.
وفي تفاصيل الخبر:
في خضم تزايد المخاوف من توسع حرب غزة إقليمياً، خصوصا بعد القصف الإيراني العابر للحدود الذي أصاب مواقع في إقليمي بلوشستان الباكستاني وكردستان العراقي ومناطق في سورية، بذريعة ضرب جماعات متشددة وانفصالية متعاونة مع «الموساد» الإسرائيلي في شن هجوم كرمان الإرهابي، قام الجيش الباكستاني بتوجيه سلسلة ضربات لمسلحين بلوشستانيين مناوئين لإسلام آباد في منطقة حدودية جنوب شرق إيران أمس.
وذكر مصدر بالمخابرات الباكستانية، أن الضربات ضد المسلحين البلوش نفذتها طائرات عسكرية، في حين تحدثت تقارير عن ضربات صاروخية.
وأوضح أن «المسلحين المستهدفين ينتمون إلى جبهة تحرير بلوشستان» التي تسعى إلى استقلال إقليم بلوشستان الباكستاني.
ونقل عن مصادر أخرى قولها، إن الضربات أصابت 6 أهداف داخل 3 مواقع بعمق 40 إلى 50 كيلومترا داخل الأراضي الإيرانية.
على الجانب الآخر من الحدود، أفادت تقارير إيرانية بأن عدة صواريخ أصابت قرية في إقليم سستان وبلوشستان المتاخم لباكستان، مما أسفر عن مقتل تسعة، بينهم ثلاث نساء وأربعة أطفال، وجميعهم غير إيرانيين.
وفي حادث منفصل، أعلن «الحرس الثوري» الإيراني أن العقيد حسين علي جوادانفر، وهو أحد ضباطه بمحافظة سيستان وبلوشستان، قُتل بالرصاص حينما كان عائدا من مهمة إدارية، على طريق خاش – زاهدان.
تأهب ودقة
وعقب الإعلان عن الضربات الانتقامية المتبادلة التي وصفت بأكبر عملية توغل عبر الحدود بين البلدين في السنوات القليلة الماضية، حذر مسؤول أمني باكستاني كبير في تصريحات لـ«رويترز» من أن الجيش في حالة تأهب قصوى، وسيواجه أي «مغامرة غير محسوبة» من الجانب الإيراني بقوة.
في موازاة ذلك، ذكرت وزارة الخارجية الباكستانية، في بيان أمس، أن «عدداً من الإرهابيين قُتلوا خلال العملية المستندة إلى معلومات استخباراتية».
ووصفت العملية بأنها «سلسلة من الضربات العسكرية المنسقة للغاية والموجهة بشكل محدد ضد مخابئ الإرهابيين».
وأضافت: «باكستان تحترم سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووحدة أراضيها، والهدف الوحيد من تحرك اليوم كان السعي لتحقيق أمن باكستان ومصالحها الوطنية، وهو أمر بالغ الأهمية ولا يمكن المساس به».
وتزامن ذلك مع قطع رئيس الوزراء المؤقت أنور الحق كاكار زيارته للمنتدى الاقتصادي العالمي في «دافوس» بسويسرا لمتابعة التطورات.
ضحايا وإدانة
في المقابل، أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بشدة الضربات، معلناً أنه تم استدعاء القائم بالأعمال الباكستاني، وهو أكبر دبلوماسي باكستاني في طهران، لتقديم تفسير.
وأمس الأول، أفادت إسلام آباد بأن مدنيين أصيبوا وقُتل طفلان بالضربات الإيرانية، محذرة من أنه ستكون هناك عواقب تتحمل طهران المسؤولية عنها.
واستدعت إسلام آباد سفيرها في إيران احتجاجا على ما قالت إنه «انتهاك صارخ» لسيادتها، وقررت عدم السماح للسفير الإيراني، الذي يقوم بزيارة لبلاده، بالعودة إلى عمله في باكستان.
رغبة وسيناريو
وفي وقت تشير تعليقات باكستان وإيران بعد ضرباتهما الانتقامية إلى الرغبة في إبقاء الخلاف تحت السيطرة، حذر محللون من سيناريو مختلف قد تخرج فيه الأمور إلى دائرة عنف أوسع، إذ تنتمي المجموعتان المستهدفتان على جانبي الحدود إلى العرقية البلوشية، لكن من غير الواضح إذا كان هناك تعاون بينهما.
ورأى الخبير البارز في أمن منطقة جنوب آسيا بالمعهد الأميركي للسلام إسفنديار مير، أن دوافع إيران لمهاجمة باكستان لاتزال غامضة، لكن يمكن أن تتصاعد الأمور في ضوء التصرفات الإيرانية في المنطقة وتحرك الجماعات المتحالفة معها لشن هجمات ضد إسرائيل، لافتا إلى أن «ما سيقلق طهران هو أن باكستان تجاوزت خطا بضربها داخل الأراضي الإيرانية، وهو خط حرصت حتى الولايات المتحدة وإسرائيل على عدم تجاوزه».
وتعمل الجماعتان المسلحتان في منطقة تشمل إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان وإقليم سستان وبلوشستان جنوب شرق إيران. وتشهد المنطقتان اضطرابات، وتعانيان من الفقر إلى حد كبير رغم غناهما بالمعادن.
في غضون ذلك، عرضت الصين التوسط بين باكستان وإيران، وقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ: «يأمل الجانب الصيني بشكل صادق أن يكون بإمكان الطرفين التهدئة وممارسة ضبط النفس وتجنّب تصعيد التوتر»، مضيفة «نحن على استعداد للعب دور بنّاء في خفض التصعيد في حال رغب الطرفان في ذلك».
كما صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن إيران وباكستان لا تريدان تصعيد التوترات في المنطقة.
جاءت تصريحات فيدان بعد اتصالات مع نظيريه من البلدين.
وأضاف فيدان، خلال مؤتمر مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في عمان، أن أنقرة أوصت الطرفين بعدم زيادة التصعيد، فضلا عن ضرورة استعادة الهدوء في أقرب وقت ممكن.
وفي بيان منفصل، دعت وزارة الخارجية التركية إيران والعراق وباكستان إلى ضبط النفس وترجيح العقل.
وقالت الوزارة، في البيان: «نعتقد أنه يجب حل المشاكل من خلال مفهوم الصداقة والأخوة على أساس الاحترام المتبادل لسيادة الدول ووحدة أراضيها».
مناورات وتنفيس
من جانب آخر، انطلقت مناورات «مدافعو سماء الولاية 1402» للدفاع الجوي بعد ظهر أمس، والتي تشمل مساحة واسعة من آبادان الى تشابهار وشواطئ الخليج العربي وبحر عمان.
وأمس، نقلت «نيويورك تايمز» عن دبلوماسيين، أن إطلاق إيران وابلا من الصواريخ على خصومها في المنطقة يعكس تنفيسا عن الغضب وتحذيرا من احتمال قيامها بردود أوسع في ظل استمرار الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على غزة بهدف القضاء على حركة حماس.
وأشار الدبلوماسيون إلى أن القصف الصاروخي الذي مثل استعراضا للعضلات يعد أيضا تسويقا محتملا لمنتجاتها العسكرية.