في الأشهر القليلة الماضية، انشغل عدد كبير من المحللين الغربيين باحتمال أن يستعمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سلاحاً نووياً تكتيكياً في أوكرانيا، لكنّ بوتين ليس الحاكم المستبد الوحيد الذي يفكّر في اللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل، فيكفي أن ننظر إلى كوريا الشمالية، ففي السنة الماضية، اختبر رئيس البلد، كيم جونغ أون، صاروخاً بالستياً انطلق من غواصة، وصاروخاً بالستياً محمولاً على قطار، ونظاماً صاروخياً دفاعياً جديداً أرض– جو، وصاروخاً استراتيجياً طويل المدى من نوع «كروز»، وعدداً من الصواريخ الأسرع من الصوت، كذلك تبرز مؤشرات على استعداد كوريا الشمالية لإطلاق سابع اختبار بهدف استعراض سلاح نووي تكتيكي أكثر دقة وتطوراً.
يدرك المحللون وصانعو السياسة خطورة التهديد المطروح لأن كوريا الشمالية تملك أسلحة نووية منذ وقتٍ طويل (أطلق البلد أول اختبار نووي في عام 2006). تستطيع بيونغ يانغ الآن أن تُهدد الولايات المتحدة القارية بالأسلحة النووية، لكن لا يقتصر هذا التهديد على الأمن الأميركي المحلي، لأن أسلحة الدمار الشامل التي طوّرتها كوريا الشمالية قد تطلق سباق تسلّح في شمال شرق آسيا أيضاً، فقد أدى إصرار كيم على إطلاق هذه التهديدات إلى توسّع دعم الرأي العام الكوري الجنوبي لاستحواذ البلد على قدراته النووية الخاصة، وهو خيار كان مستبعداً في السابق، فإذا قررت كوريا الجنوبية أن تتسلّح نووياً، قد تعمد الصين واليابان إلى توسيع ترسانتهما، وفي ظل غياب أي حلول بسيطة، فشلت إدارة جو بايدن في طرح رد سياسي مناسب على هذه التطورات. يُفترض أن تُوسّع تحركاتها الآن لمنع أزمة أخرى من الخروج عن السيطرة.
مناخ عالمي خطير
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، اقتنعت كوريا الشمالية بأهمية اقتناء أسلحة نووية، حي يتساءل كيم على الأرجح عن استعداد بوتين لإطلاق هذا الغزو لو لم تتخلَ أوكرانيا عن أسلحتها النووية في عام 1994، وتأتي هذه الحرب لتؤكد الدروس التي استخلصها كيم من العراق وليبيا، حيث سقط القادة وقُتلوا بعد تخلّيهم عن برامج أسلحة الدمار الشامل، ويبدو أن هذه الأسلحة وحدها تضمن صمود الأنظمة.
من الطبيعي أن تضطرب كوريا الجنوبية على وقع التطورات الأخيرة، إذ تفتقر هذه الدولة إلى الأسلحة النووية وتواجه اليوم جارة مسلّحة نووياً، فقد كانت سيول تتكل تقليدياً على نظام الردع النووي الأميركي للحفاظ على أمنها، لكن تكلم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عن سحب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية إذا لم تَزِد سيول الأموال التي تدفعها لدعم تلك القوات، ومن حق كوريا الجنوبية وحلفاء واشنطن الآخرين أن يقلقوا من تداعيات وصول ترامب أو مرشّح آخر من داعمي شعار «أميركا أولاً» إلى الرئاسة الأميركية في عام 2024 وما بعده، فلا تستطيع هذه البلدان أن تتأكد من قدرتها على متابعة الاتكال على المظلة النووية الأميركية، لا سيما بعدما أصبحت الولايات المتحدة أكثر عرضة للهجوم النووي من كوريا الشمالية.
اليوم، يتوسّع النقاش في كوريا الجنوبية حول السبل التي تسمح للبلد بتقوية نظام ردعه، فقد يضغط المسؤولون على واشنطن لتلقي المزيد من أنظمة التسلح الأميركية ذات القدرات النووية، مثل «بي-52» أو«إف - 35»، كذلك قد يطلب الكوريون الجنوبيون البدء بتقاسم الأسلحة النووية بين واشنطن وسيول، على طريقة حلف الناتو، أو إعادة نشر الأنظمة النووية التكتيكية الأميركية التي سُحِبت من كوريا الجنوبية في عام 1991، ويبرز أيضاً خيار أكثر تطرفاً، وهو يقضي بأن تكتسب كوريا الجنوبية الأسلحة النووية بنفسها، فوفق استطلاع رأي جديد، أعلن 55% من الشعب دعمه لهذه الخطوة، مما يعني زيادة مؤيدي هذا الخيار بعشر نقاط خلال سنة واحدة، وتثبت هذه النتيجة أن كوريا الجنوبية بدأت تدق ناقوس الخطر بعد تراكم أسلحة الدمار الشامل في جارتها الشمالية.
الأنظار على واشنطن
من المستبعد أن تدعم الحكومة الأميركية أياً من هذه الردود السياسية المحتملة من الجانب الكوري الجنوبي، باستثناء تلقي طائرات وسفن أميركية ذات قدرات نووية من وقتٍ لآخر، كذلك، تعارض واشنطن إعادة نشر أي أسلحة نووية تكتيكية أميركية في كوريا الجنوبية، أو إقدام الحكومة هناك على تطوير أسلحتها النووية الخاصة. يظن الكثيرون في الجيش الأميركي بكل بساطة أن الوضع لا يستلزم اتخاذ هذا النوع من الخطوات، لأن الولايات المتحدة تستطيع استهداف أي موقع في كوريا الشمالية عبر استعمال أسلحة تقليدية عالية الدقة، فإذا تفاقم الصراع وأصبحت الضربة النووية ضرورية، يمكن إطلاق الأسلحة من منصات أميركية آمنة، مثل الغواصات المزوّدة بصواريخ بالستية أو القاذفات طويلة المدى، من دون الحاجة لنشرها في شبه الجزيرة.
يخشى الخبراء العسكريون الأميركيون أن تصبح الأسلحة النووية الأميركية، في حال نشرها في كوريا الجنوبية، أهدافاً مغرية لأي هجوم استباقي من كوريا الشمالية، فمن وجهة نظر الأميركيين، يجب أن تثق كوريا الجنوبية بعمق الالتزام الأميركي بالدفاع عنها نظراً إلى وجود 28500 جندي أميركي على أراضيها، لكنّ هذه الحجج لا تقنع جميع المشكّكين في كوريا الجنوبية، إذ يخشى هذا المعسكر أن تمنع ترسانة كوريا الشمالية النووية التدخّل الأميركي، وأن يصبح هذا التحالف مُهدداً في حال انتخاب رئيس انعزالي في الولايات المتحدة.
من المستبعد أن يتخذ رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، أكثر الخطوات تطرفاً ويطلق برنامجاً لتصنيع الأسلحة النووية، لأن الكوريين الجنوبيين لا يزالون منقسمين حول هذه المسألة (يُعبّر حزب المعارضة الليبرالي، الذي يشكّل جزءاً من الأغلبية التشريعية، عن معارضته الشديدة لهذا التوجه)، وقد يترافق هذا النهج مع إخفاقات كثيرة، وفي المقام الأول، تجازف هذه الخطوة بتوسيع الشرخ مع الولايات المتحدة، كما حصل خلال السبعينيات، حين أطلق الرئيس بارك تشونغ هي برنامجاً نووياً سرياً لكنه تخلى في المقابل عن الضمانات الأمنية التي تقدّمها الولايات المتحدة. لاقتناء أسلحة نووية بطريقة قانونية، يجب أن تنسحب كوريا الجنوبية أولاً من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وإلا ستجازف بمواجهة عقوبات دولية، فبعد اتخاذ هذا النوع من القرارات، قد تصبح كوريا الجنوبية معزولة دولياً، كما حصل مع باكستان فور تسلّحها نووياً، وقد يرزح التحالف بين واشنطن وسيول تحت أعباء جديدة (من اللافت في المقابل ألا تكون إسرائيل والهند من الدول المنبوذة على الساحة الدولية رغم امتلاكهما نسختهما الخاصة من برامج الأسلحة النووية). في غضون ذلك، قد تزيد هذه الخطوة خطر إطلاق هجوم استباقي من كوريا الشمالية، قبل أن تتمكن جارتها الجنوبية من تشغيل أسلحتها، و في الوقت نفسه، قد تردّ اليابان والصين عبر توسيع برامج تسلّحهما، فتُصنّع اليابان أسلحة نووية وتُوسّع الصين ترسانتها النووية الكبيرة أصلاً.
ربما يقضي خيار أقل استفزازاً بأن تلجأ الولايات المتحدة إلى مبدأ «المشاركة النووية» الذي تستعمله مع حلفائها في الناتو، فلطالما طبّقت واشنطن هذا النوع من الترتيبات مع عدد من دول الناتو، وهو يقضي بنشر أسلحة نووية أميركية على أراضيها، على أن يتم تسليمها عن طريق الطائرات والطيارين من تلك البلدان عند نشوء أي صراع، وإذا اندلعت حرب كبرى فمن واجب «مجموعة التخطيط النووي» في حلف الناتو أن تعطي موافقتها الصريحة على استعمال تلك الأسلحة، ويجب أن يعطي الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني موافقتهما على هذه الخطوة أيضاً، ولا يمكن تسليم قاذفات «بي-61» عبر الطائرات الأوروبية قبل هذه المرحلة.
يمكن التوصل إلى الترتيب نفسه مع كوريا الجنوبية التي تبقى من أهم حلفاء الولايات المتحدة خارج حلف الناتو، وقد يكون البنتاغون محقاً حين يعتبر هذه السياسة غير محبذة من الناحية العسكرية المحضة، لكنها قد تقوي نظام الردع وتُطَمْئِن الرأي العام الكوري الجنوبي في وجه التهديدات الوشيكة التي تطرحها كوريا الشمالية.
أصبحت الأسباب التي تحول دون تنفيذ أيّ من هذه الخيارات لتقوية نظام الردع في كوريا الجنوبية واضحة، إذ يترافق جميعها مع سلبيات كبرى، لكن يتفق الكثيرون في كوريا الجنوبية على ضرورة التحرك لمعالجة المخاوف الأمنية المتزايدة، فقد بدأ التهديد الذي تطرحه كوريا الشمالية يتصاعد، وتبدو الضمانات الأمنية الأميركية أكثر هشاشة منذ عهد الرئيس ترامب، ويجب أن تتحرك إدارة بايدن إذاً لتقوية هذا التحالف الذي يواجه ضغوطاً متزايدة مع مرور الوقت.
طرح فريق عمل من «مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية» بعض التوصيات المفيدة في هذا المجال، منها جمع كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا في إطار مجموعة آسيوية للتخطيط النووي، وتسمح هذه الخطوة بفهم السياسات النووية الأميركية على نطاق أوسع، كذلك يمكن ضمّ كوريا الجنوبية إلى الحوار الأمني الرباعي الذي يجمع الولايات المتحدة، وأستراليا، والهند، واليابان، لكن تكمن المشكلة الحقيقية في احتمال أن يلغي أي رئيس أميركي مستقبلي ما يقرره بايدن اليوم، ومع ذلك قد تُطَمْئِن هذه الخطوات الكوريين الجنوبيين بدرجة معينة، فلا يشعرون بأنهم متروكون.
*سو مي تيري
يدرك المحللون وصانعو السياسة خطورة التهديد المطروح لأن كوريا الشمالية تملك أسلحة نووية منذ وقتٍ طويل (أطلق البلد أول اختبار نووي في عام 2006). تستطيع بيونغ يانغ الآن أن تُهدد الولايات المتحدة القارية بالأسلحة النووية، لكن لا يقتصر هذا التهديد على الأمن الأميركي المحلي، لأن أسلحة الدمار الشامل التي طوّرتها كوريا الشمالية قد تطلق سباق تسلّح في شمال شرق آسيا أيضاً، فقد أدى إصرار كيم على إطلاق هذه التهديدات إلى توسّع دعم الرأي العام الكوري الجنوبي لاستحواذ البلد على قدراته النووية الخاصة، وهو خيار كان مستبعداً في السابق، فإذا قررت كوريا الجنوبية أن تتسلّح نووياً، قد تعمد الصين واليابان إلى توسيع ترسانتهما، وفي ظل غياب أي حلول بسيطة، فشلت إدارة جو بايدن في طرح رد سياسي مناسب على هذه التطورات. يُفترض أن تُوسّع تحركاتها الآن لمنع أزمة أخرى من الخروج عن السيطرة.
مناخ عالمي خطير
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، اقتنعت كوريا الشمالية بأهمية اقتناء أسلحة نووية، حي يتساءل كيم على الأرجح عن استعداد بوتين لإطلاق هذا الغزو لو لم تتخلَ أوكرانيا عن أسلحتها النووية في عام 1994، وتأتي هذه الحرب لتؤكد الدروس التي استخلصها كيم من العراق وليبيا، حيث سقط القادة وقُتلوا بعد تخلّيهم عن برامج أسلحة الدمار الشامل، ويبدو أن هذه الأسلحة وحدها تضمن صمود الأنظمة.
من الطبيعي أن تضطرب كوريا الجنوبية على وقع التطورات الأخيرة، إذ تفتقر هذه الدولة إلى الأسلحة النووية وتواجه اليوم جارة مسلّحة نووياً، فقد كانت سيول تتكل تقليدياً على نظام الردع النووي الأميركي للحفاظ على أمنها، لكن تكلم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عن سحب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية إذا لم تَزِد سيول الأموال التي تدفعها لدعم تلك القوات، ومن حق كوريا الجنوبية وحلفاء واشنطن الآخرين أن يقلقوا من تداعيات وصول ترامب أو مرشّح آخر من داعمي شعار «أميركا أولاً» إلى الرئاسة الأميركية في عام 2024 وما بعده، فلا تستطيع هذه البلدان أن تتأكد من قدرتها على متابعة الاتكال على المظلة النووية الأميركية، لا سيما بعدما أصبحت الولايات المتحدة أكثر عرضة للهجوم النووي من كوريا الشمالية.
اليوم، يتوسّع النقاش في كوريا الجنوبية حول السبل التي تسمح للبلد بتقوية نظام ردعه، فقد يضغط المسؤولون على واشنطن لتلقي المزيد من أنظمة التسلح الأميركية ذات القدرات النووية، مثل «بي-52» أو«إف - 35»، كذلك قد يطلب الكوريون الجنوبيون البدء بتقاسم الأسلحة النووية بين واشنطن وسيول، على طريقة حلف الناتو، أو إعادة نشر الأنظمة النووية التكتيكية الأميركية التي سُحِبت من كوريا الجنوبية في عام 1991، ويبرز أيضاً خيار أكثر تطرفاً، وهو يقضي بأن تكتسب كوريا الجنوبية الأسلحة النووية بنفسها، فوفق استطلاع رأي جديد، أعلن 55% من الشعب دعمه لهذه الخطوة، مما يعني زيادة مؤيدي هذا الخيار بعشر نقاط خلال سنة واحدة، وتثبت هذه النتيجة أن كوريا الجنوبية بدأت تدق ناقوس الخطر بعد تراكم أسلحة الدمار الشامل في جارتها الشمالية.
الأنظار على واشنطن
من المستبعد أن تدعم الحكومة الأميركية أياً من هذه الردود السياسية المحتملة من الجانب الكوري الجنوبي، باستثناء تلقي طائرات وسفن أميركية ذات قدرات نووية من وقتٍ لآخر، كذلك، تعارض واشنطن إعادة نشر أي أسلحة نووية تكتيكية أميركية في كوريا الجنوبية، أو إقدام الحكومة هناك على تطوير أسلحتها النووية الخاصة. يظن الكثيرون في الجيش الأميركي بكل بساطة أن الوضع لا يستلزم اتخاذ هذا النوع من الخطوات، لأن الولايات المتحدة تستطيع استهداف أي موقع في كوريا الشمالية عبر استعمال أسلحة تقليدية عالية الدقة، فإذا تفاقم الصراع وأصبحت الضربة النووية ضرورية، يمكن إطلاق الأسلحة من منصات أميركية آمنة، مثل الغواصات المزوّدة بصواريخ بالستية أو القاذفات طويلة المدى، من دون الحاجة لنشرها في شبه الجزيرة.
يخشى الخبراء العسكريون الأميركيون أن تصبح الأسلحة النووية الأميركية، في حال نشرها في كوريا الجنوبية، أهدافاً مغرية لأي هجوم استباقي من كوريا الشمالية، فمن وجهة نظر الأميركيين، يجب أن تثق كوريا الجنوبية بعمق الالتزام الأميركي بالدفاع عنها نظراً إلى وجود 28500 جندي أميركي على أراضيها، لكنّ هذه الحجج لا تقنع جميع المشكّكين في كوريا الجنوبية، إذ يخشى هذا المعسكر أن تمنع ترسانة كوريا الشمالية النووية التدخّل الأميركي، وأن يصبح هذا التحالف مُهدداً في حال انتخاب رئيس انعزالي في الولايات المتحدة.
من المستبعد أن يتخذ رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، أكثر الخطوات تطرفاً ويطلق برنامجاً لتصنيع الأسلحة النووية، لأن الكوريين الجنوبيين لا يزالون منقسمين حول هذه المسألة (يُعبّر حزب المعارضة الليبرالي، الذي يشكّل جزءاً من الأغلبية التشريعية، عن معارضته الشديدة لهذا التوجه)، وقد يترافق هذا النهج مع إخفاقات كثيرة، وفي المقام الأول، تجازف هذه الخطوة بتوسيع الشرخ مع الولايات المتحدة، كما حصل خلال السبعينيات، حين أطلق الرئيس بارك تشونغ هي برنامجاً نووياً سرياً لكنه تخلى في المقابل عن الضمانات الأمنية التي تقدّمها الولايات المتحدة. لاقتناء أسلحة نووية بطريقة قانونية، يجب أن تنسحب كوريا الجنوبية أولاً من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وإلا ستجازف بمواجهة عقوبات دولية، فبعد اتخاذ هذا النوع من القرارات، قد تصبح كوريا الجنوبية معزولة دولياً، كما حصل مع باكستان فور تسلّحها نووياً، وقد يرزح التحالف بين واشنطن وسيول تحت أعباء جديدة (من اللافت في المقابل ألا تكون إسرائيل والهند من الدول المنبوذة على الساحة الدولية رغم امتلاكهما نسختهما الخاصة من برامج الأسلحة النووية). في غضون ذلك، قد تزيد هذه الخطوة خطر إطلاق هجوم استباقي من كوريا الشمالية، قبل أن تتمكن جارتها الجنوبية من تشغيل أسلحتها، و في الوقت نفسه، قد تردّ اليابان والصين عبر توسيع برامج تسلّحهما، فتُصنّع اليابان أسلحة نووية وتُوسّع الصين ترسانتها النووية الكبيرة أصلاً.
ربما يقضي خيار أقل استفزازاً بأن تلجأ الولايات المتحدة إلى مبدأ «المشاركة النووية» الذي تستعمله مع حلفائها في الناتو، فلطالما طبّقت واشنطن هذا النوع من الترتيبات مع عدد من دول الناتو، وهو يقضي بنشر أسلحة نووية أميركية على أراضيها، على أن يتم تسليمها عن طريق الطائرات والطيارين من تلك البلدان عند نشوء أي صراع، وإذا اندلعت حرب كبرى فمن واجب «مجموعة التخطيط النووي» في حلف الناتو أن تعطي موافقتها الصريحة على استعمال تلك الأسلحة، ويجب أن يعطي الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني موافقتهما على هذه الخطوة أيضاً، ولا يمكن تسليم قاذفات «بي-61» عبر الطائرات الأوروبية قبل هذه المرحلة.
يمكن التوصل إلى الترتيب نفسه مع كوريا الجنوبية التي تبقى من أهم حلفاء الولايات المتحدة خارج حلف الناتو، وقد يكون البنتاغون محقاً حين يعتبر هذه السياسة غير محبذة من الناحية العسكرية المحضة، لكنها قد تقوي نظام الردع وتُطَمْئِن الرأي العام الكوري الجنوبي في وجه التهديدات الوشيكة التي تطرحها كوريا الشمالية.
أصبحت الأسباب التي تحول دون تنفيذ أيّ من هذه الخيارات لتقوية نظام الردع في كوريا الجنوبية واضحة، إذ يترافق جميعها مع سلبيات كبرى، لكن يتفق الكثيرون في كوريا الجنوبية على ضرورة التحرك لمعالجة المخاوف الأمنية المتزايدة، فقد بدأ التهديد الذي تطرحه كوريا الشمالية يتصاعد، وتبدو الضمانات الأمنية الأميركية أكثر هشاشة منذ عهد الرئيس ترامب، ويجب أن تتحرك إدارة بايدن إذاً لتقوية هذا التحالف الذي يواجه ضغوطاً متزايدة مع مرور الوقت.
طرح فريق عمل من «مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية» بعض التوصيات المفيدة في هذا المجال، منها جمع كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا في إطار مجموعة آسيوية للتخطيط النووي، وتسمح هذه الخطوة بفهم السياسات النووية الأميركية على نطاق أوسع، كذلك يمكن ضمّ كوريا الجنوبية إلى الحوار الأمني الرباعي الذي يجمع الولايات المتحدة، وأستراليا، والهند، واليابان، لكن تكمن المشكلة الحقيقية في احتمال أن يلغي أي رئيس أميركي مستقبلي ما يقرره بايدن اليوم، ومع ذلك قد تُطَمْئِن هذه الخطوات الكوريين الجنوبيين بدرجة معينة، فلا يشعرون بأنهم متروكون.
*سو مي تيري