في عام 1981 كتبت مقالة في جريدة «الأنباء» حول مشكلة «البدون» التي طلت برأسها على المشهد السياسي والاجتماعي في الكويت حينذاك، فاتصل بي أحد المصادر ليزودني باسم وتلفون أحد البدون المستحقين للجنسية الكويتية، ولم يحصل عليها بسبب إهمال والده، الذي أهمل مطالبته بالحصول على الجنسية الكويتية قبل وفاته فتضرر الأبناء فضاع حقهم رغم انتمائهم وولائهم لهذه الأرض.
قابلت هذا البدون في شقته بشارع عمان في الرميثية (السالمية حالياً)، ليضع أمامي أكداساً من الوثائق الرسمية التي تثبت كويتيته، مثل شهادة ميلاده وجنسية والدته حسب المادة الأولى وجنسية أخيه حسب المادة الثانية أو السابعة، لا أذكر، وشهاداته الدراسية في كل المراحل، وكأنه زاد على الكويتيين في صحة وثائقه الرسمية.
حينها كانت وزارة الداخلية قد فتحت باب التسجيل في مخافر الشرطة لأي شخص يعتقد أنه مستحق للجنسية الكويتية، فسألته عما إذا كان قد سجل في أحد هذه المخافر للحصول على الجنسية، فسألني مستهزئاً: كيف ترضى لي أن أقف أمام هذه المخافر التي اكتظت بطوابير طويلة من الوافدين ومن جميع الجنسيات، ويتحدثون بلغاتهم وكأنك في منطقة غير كويتية؟ حينها شاطرته آلامه، ولم أجد تبريراً لطريقة تفكير حكوماتنا المتعاقبة في إيجاد حل لهذه المشكلة المتفاقمة منذ أكثر من خمسين سنة مضت، لأنها طبقت مقولة «يا سراجين يا ظلمة»، فإما أن تهمل قضية البدون بالكامل دون أن توجد حل لها لسنوات، أو أن تصحو من سباتها فجأة لتعلن نيتها إيجاد حل لهذه القضية بطريقة غير عملية وغير مدروسة، عندما نشرت إعلاناً دعت فيه «من يرى في نفسه الأهلية للحصول على الجنسية الكويتية أن يتقدم لأقرب مخفر لتسجيل اسمه»، وكأنه إعلان توظيف أو تجنيد، الأمر الذي فتح المجال «للحاشي والماشي» لأن يتقدم بطلب الجنسية الكويتية، فضاعت الطاسة وضاعت حقوق المستحقين الفعليين.
وبعد «سنوات ضياع» الهوية، بسبب التجنيس العشوائي والتزوير في وثائق الجنسية وسن قانون يناقض الدستور، وإهمال تطبيق قانون الجنسية على «المزدوجين»، أنشئ الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية برئاسة صالح الفضالة، الذي أثبت بجدارة وبما لا يدع مجالاً للشك قدرة الكويت على اقتلاع المشكلة من جذورها بعد أن أثبت بالوثائق والدلائل الدامغة من يستحق الجنسية الكويتية ومن المتهم بالتزوير في هوياته لمجرد الحصول على هذه الوثيقة، وسلمت تقريراً كاملاً ومفصلاً عما أنجزه الجهاز المركزي للحكومة، التي تتباطأ في تطبيق قرارات صبت في مصلحة الوطن وبينت كيفية تحصين الهوية الوطنية.
بعد الخطاب التاريخي غير المسبوق الذي ألقاه صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، بعد أدائه اليمين الدستورية، مشيراً سموه إلى أن الكويت لم تلمس أي تغيير أو تصحيح للمسار عندما تعاونت السلطتان التشريعية والتنفيذية واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد، واهتمام سموه بمسألة الهوية الوطنية، أعتقد أنه من المناسب الآن إنشاء الهيئة العامة للجنسية يديرها كويتيون وطنيون من أصحاب الكفاءات يعرفهم الكويتيون ويعرفون الكويتيين، وربط جهود هذه الهيئة مع الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، والنظر بجدية فائقة في أسباب تغيير الهوية الكويتية، خصوصاً أولئك الذين تم تجنيسهم عشوائياً، أو من ثبتت عليه تهمة التزوير في وثائق الجنسية، أو إعادة النظر في «المزدوجين»، الذين حصلوا على الجنسية الكويتية دون أن يتنازلوا عن جنسياتهم الأصلية، فهل تتحقق أمنية الكويتيين المخلصين للديرة؟