كانت ثمة قرية صغيرة تتميز عن بقية القرى التي حولها بالحرية والديموقراطية والوفرة المالية وقلة عدد سكانها الذين كانوا ينعمون بالرفاهية والتلاحم والسلام، وكانوا مخلصين لقريتهم، بعد فترة من الزمن ظهرت حفرة كبيرة في القرية يسقط فيها يومياً أحد سكانها، فيجتمعون لإخراجه ونقله للمستشفى.
تكررت الحادثة مرات عديدة حتى اجتمع أهلها ليضعوا حداً لهذه المشكلة، فاقترح أحدهم وضع سيارة إسعاف ومسعفين لنقل المصابين ممن سقطوا بهذه الحفرة إلا أنهم بعد فترة وجدوا أنهم لم يحلوا المشكلة، فالناس ما زالوا يسقطون في الحفرة، فاقترح أحدهم بناء مستشفى جانبها لنقل المصابين أسرع، وبذلك نحافظ على حياة المصابين بدلاً من نقلهم، وبعد بناء المستشفى بفترة زمنية ازداد عدد المصابين الذين بات المستشفى لا يسعهم، فاجتمعوا للمرة الثالثة لإنهاء هذه المشكلة التي باتت تؤرقهم، وإذا بأحدهم يقول بعد تلك الحلول لم يتبق لنا إلا أن ندفن هذه الحفرة ونحفر مثيلتها بجانب المستشفى الرئيس، حيث يتسع لأكثر عدد قد يصاب بها، وبذلك نجحنا في علاج المصابين.
وأنا أقرأ هذه القصة التي نقلها أحد الإخوة بإحدى مجموعات «الواتساب» تذكرت مشاكلنا والحلول الترقيعية لها، فجل ما نعانيه من مشاكل نذهب لحلها بحلول مؤقتة وسريعة دون أن نركز على أصل المشكلة ومسبباتها، ونضع الحل الجذري والقاطع لها، فننشغل بحلول مؤقتة تفاقم المشكلة الأساسية وتتشعب لنا مشاكل هامشية تشغلنا عن أساس المشكلة التي نعانيها لذلك تراكمت مشاكلنا وتفرع منها مشاكل أخرى، وما زلنا نضع حلولاً وقتية دون أن نردم الحفرة وننهي أساس المشكلة.
الحفر لدينا كثيرة كحفرة الخدمات الصحية، حيث تركنا الحفرة وذهبنا للعلاج في الخارج والمستشفيات الخاصة عبر التأمين الصحي، فصرفنا أموالًا مهولة مع أننا نستطيع ردم هذه الحفرة بتطوير الخدمات الصحية وجلب مستشفيات عالمية بطواقم طبية ذات كفاءة عالية، كذلك حفرة التعليم ومخرجاته فبدلاً من تطويره وتحسين مناهجنا ذهبنا الى المدارس والجامعات الخاصة لتتضاعف تكلفة التعليم، وأيضا حفرة الإسكان والتركيبة السكانية والبدون والتوظيف والطرق والازدحام التي نعانيها منذ سنوات طويلة بسبب عدم ردمنا تلك الحفر، وذهابنا لحلول معقدة ومكلفة، لتبقى الحفرة أو المشكلة الأصلية موجودة وتستمر المعاناة.
يعني بالعربي المشرمح:
مشاكلنا اختصرتها تلك الرواية التي ذكرتها في البداية، فمعظم مشاكلنا ينطبق عليها المثل القائل «من حفرة لدحديرة»، وهو واقع حالنا، حيث الحلول الوقتية والترقيعية لمعظم مشاكلنا دون حل جذري وقاطع للمشكلة الرئيسة والقضاء عليها بشكلٍ نهائي ودائم.