«خير الناس من كفّ فكّه»، حكمة قيل إنها لسيدنا علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وقالوا، بل هي لأحد الحكماء، وفي كل الأحوال فهي نصائح لابد من التمعن في كلماتها ومعانيها والمقصود منها، فـ «خير الناس من كفّ فكّه وفكّ كفّه، وشر الناس من فكّ فكّه وكفّ كفّه، فكم من فكّة كفٍّ كفّت فكوكهم، وكم من كفّة كفٍّ فكّت فكُوكهم، فكفّوا فكوككم وفكّوا كفوفكم».
فمن كفّ فكّه، فهو من أسكت لسانه الساكن بين فكيه عن أذية الخلق، وقول الباطل، وشهادة الزور، والغيبة، والنميمة، والبهتان، والخوض في أعراض الناس، ومن فكّ كفّه، فهو من بسط يده متصدِّقاً على الفقراء والمحتاجين.
أما من فكّ فكّه، فهو من لن يسلم أحد من سلاطة لسانه بلا خوف من الله، ولا حياء من خلقه، ومن كفّ كفّه، فهو من قبض يده بخلاً عن المساكين وذوي الحاجة، وقصّر حتى على معيشة أهله.
فكم من فكّة كفٍّ كفّتْ فُكوكهم، فمن مدَّ يده بالعمل الطيب وفعل الخير فقد منع أفواهاً عن ذكره بالسوء، وكم من كفّة كفّ فكّت فكُوكهم، أما من قبض يده عن فعل الخير للناس، فقد جلب على نفسه كلاماً سيؤذيه، فكفّوا فكوككم، وفكّوا كفوفكم.
الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيمن يفكّون فكوكهم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، وقد نهى عليه السلام وحذَّر من تتبُّع العورات والوقوع في أعراض الناس، عندما صَعِد المنبر يوماً فنادى بصوت رفيع: يا معشر من قد أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيّروهم، ولا تَتَتَبعوا عوراتهم، فإنه من تتبَّع عورة أخيه المسلم، تتبَّع الله عورته، ومن تتبَّع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله.
وكفّ الكفّ هو البخل، وقيل فيه: البخل أن يرى الرجل ما أنفقه تلفاً وما أمسكه شرفاً، وقيل: من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه.
وفك الفك ليس فقط الخوض في الأعراض، فهو أيضاً تسابق من يدّعون العلم إلى الهرج فيما لا يعنيهم وبما لا يعرفون، كتصريح الجاهل طلباً للشهرة فيخوض في أمور تسبب الهلع والبلبلة بين الناس.
وفكّ الكف لا يعني التبذير، وهدر المال العام تحديداً، إنما هو مد يد العون للمُعدَم، ومساعدته على الأود على نفسه وأهله وعياله، جعلنا الله ممن «يكفّون فكوكهم ويفكّون كفوفهم».