بعد تشكيل الحكومة فتحت الكثير من أبواب التصفيات السياسية، وليس هذا ما ينقص الدولة الآن في مثل وضعها السياسي - الاقتصادي القلق.
أسئلة برلمانية طرحت الآن قد تكون في مكانها الصحيح ومستحقة لو كانت لدينا بالفعل مؤسسات قانونية مستقلة بشكل تام وحالة ديموقراطية متكاملة مع وعي شعبي متقدم في اختياراته، بينما في الحقيقة نحن لا نملك أياً من هذا... عندها لا نقول غير رحم الله امرأ عرف قدر نفسه، أي قدر حدود هذه الديموقراطية المكبلة، وعفا الله عما سلف، ودعونا نفتح صفحة جديدة، وبعدها يكون لكل حادث حديث.
أيضاً هناك تصور بأن رئيس الوزراء الشيخ محمد الصباح ومفاهيمه الاقتصادية التي عبر عنها بعدد من التصريحات العابرة تمثل دعوة مطلقة للتخلي عن القطاع العام والشروع في الخصخصة من غير حدود، حتى ننتهي بعد أن نسير حسب روشتات الصندوق الدولي إلى الغرق في عالم المديونيات وإفقار الطبقة الوسطى.
هناك خلط في الكثير من الأمور، والحلول ليست سهلة أبداً، فلدينا قطاع عام متخم بإنتاجية متدنية ويضج بالبطالة المقنعة، ويستهلك ثلاثة أرباع دخل البلد من النفط، وتم خلق الوظائف منذ زمن طويل ليس لحاجة الدولة لها وإنما كانت لتوزيع الثروة على الأغلبية من الشعب، مثلما كانت سياسات التثمين في السابق حين خصت أهل داخل السور تقريباً، بينما لم يحصل الكثيرون من خارج السور على حظوظهم.
لا مكان اليوم لمحاسبة التاريخ، وإنما هناك القليل من الوقت لمحاولة تصحيح بعض أخطاء الماضي. استمرار حالة الرخاوة الاقتصادية - السياسية كما هي الآن ستعني حتماً الإعسار أو الإفلاس للدولة وخراب بيوت كثيرة، الحديث عن نيوليبرالية وتوجه الوزارة الجديدة لا يبدو دقيقاً، فأمامنا أمراض دولة الريع المستعصية، قلة تنتج من ثروة طبيعية ناضبة والأكثرية تستفيد ولا تقدم فائضاً للقيمة في اقتصاد الدولة.
وقع واختم وتعال غداً... وماذا حدث لشركة استيراد العمالة المنزلية؟ وهل حلت مشاكلها مع الفلبين؟... وهكذا... هل هذه هموم المستقبل؟
أي كلام عن ديموقراطية حقيقية دون ضرائب تصاعدية على الثروات والدخول العالية وتحديد الدعوم لذوي الدخول المحدودة والمتوسطة لن يكون له معنى... السلطة تاريخياً ارتاحت من صداع رأس الضريبة... فلا أحد يقول «لا ضرائب دون تمثيل سياسي»، وطالما السلطة هي التي تملك الأرزاق فحتماً هي تملك الأعناق... مجرد أن نطقت الحكومة السابقة لفرض الضريبة على السلع الضارة أو الكمالية حتى تفجرت حناجر النواب معترضين بالمطلق دون أي نقاش... فأي حديث الآن يمكن الخوض فيه عن سرطان الريع والإصلاح الاقتصادي... لننتظر.