في الصميم" التعليم ثم التعليم ثم التعليم
أهم ما يشغل بال الأمم الحيَّة مُخرجاتها التعليمية، ونوعية التخصصات الغالبة عليها، فكلما زادت التخصصات العلمية، خصوصاً النادرة منها، قلَّت حاجتها إلى استيراد عقول ومعرفة تعينها على تحديات العصر والمشاركة في مواجهتها، لكن زيادتها النوعية لن تتحقق من دون احتضان وتشجيع رسميين، بمنحها ميزات مادية ووظيفية ومعنوية تفضيلية.
التعليم في الكويت عانى لعقود من العبث السياسي في مقرراته من كلتا السُّلطتين والاستخفاف بأهميته، مما أدى إلى تقهقر نوعي، وتدنٍّ مخيف في مخرجاته، وتفوُّق وهمي من الخطأ اعتماده، عانى من التساهل في الرقابة على الطالب، وتراجع المستوى التعليمي والعلمي، وحتى الأخلاقي لبعض المدرسين الذين أُسيء اختيارهم، وعدم الأخذ بمبدأ الثواب والعقاب في الجسم التعليمي، وحتى الحكومي.
سهولة الحصول على الشهادات المزوَّرة والاستفادة منها أثَّرتا في الدافع للتعلم، فليست هناك رقابة حقيقية على الشهادات، ومن السهل على كل مَنْ حمل شهادة مزوَّرة أن يجد طريقه إلى التوظيف أو الترقية من دون تدقيق ولا تمحيص، وهذا شجَّع الآلاف على الاكتفاء بشراء شهادات مزوَّرة من دون جهد. هذا الفعل جعل الكويت في وضع خطير يؤدي حتماً إلى فشل إداري كامل، فالبعض يتبوأ مناصب رفيعة في الدولة.
غياب الرادع الأخلاقي لبعض المدرسين، وامتناع السُّلطة التنفيذية عن الردع القانوي أوجدا خللاً تعليمياً فادحاً، فبعض ضِعاف النفوس من المدرسين تعمَّدوا التقصير في أدائهم، ليُجبروا أولياء الأمور على اللجوء إلى الدروس الخصوصية، وهذا جعل منهم «مافيا» تجني مئات الملايين سنوياً من أرباب الأسر، رغم البذخ والهدر الحكومي على مخرجات تعليمية سيئة.
يجب تقليل أعداد الجامعيين، واستبدالهم بطبقة متعلمة من الفنيين والمهنيين المهرة، فالكويت في أمسِّ الحاجة لها، فهذه الطبقة هي اللبنة الأساسية لأي أمة تريد الاعتماد على أبنائها، فيجب تشجيعهم على العمل اليدوي عن طريق حملة إعلامية تشيد بمَنْ يؤدي عمله بجد وإتقان.
الحكومة تدفع 200 دينار شهرياً لكل الطلبة لجميع التخصصات على أنها مكافأة تعليمية، وهذا خطأ كبير ومُضر، وهدر للمال العام، فليس من المصلحة التشجيع على التخصصات السهلة، والتي تعج بها الوزارات والمؤسسات بلا فائدة تُذكر. المؤسف أن هناك اقتراحاً نيابياً لزيادتها إلى 300 دينار شهرياً.
لا يمكن تشجيع الفاشلين دراسياً، والاقتراح بإنشاء محفظة ضخمة لإرسال المرفوضين من الجامعات الكويتية إلى جامعات أخرى يدل على قِصر نظر، فهؤلاء أصلاً فاشلون، وكان من الأفضل لهم وللكويت أن يتم تأهيلهم ودمجهم في سوق العمل، ليستفيدوا، وليشاركوا في بناء بلدهم، وتمييزهم مادياً عن ذوي المقاعد الوثيرة، بدلاً من تكدُّس الكويت بالمزيد من حَمَلة شهادات لا فائدة من ورائها.
نقول: ليس عيباً الاقتداء والاستفادة من الدول المتقدمة تعليمياً، ومنها قطر الأولى عربياً والرابعة عالمياً، لكن كُل العيب أن نترك التعليم في مهب المزايدات السياسية.