الاغتيالات تكشف أزمة ثقة بين طهران ودمشق
«الحرس الثوري» يتهم الجيشين السوري والروسي بالسكوت عن ضربات إسرائيل لإخراجه من سورية
• الدفاعات الجوية السورية والروسية لم تُفعّل بوجه «ضربة المزة»... وتبادل اتهامات بين رئيسي وسلامي
• طهران ممتعضة من تفاهمات برعاية روسية - أميركية أدت إلى رفض الأسد فتح «الجبهة السورية»
سلّطت الضربة التي قتلت أمس الأول 5 قياديين عسكريين إيرانيين في دمشق، بينهم نائب قائد استخبارات «فيلق القدس»، الضوء على أزمة ثقة متنامية بين طهران ودمشق، سببها المباشر تزايد الاغتيالات التي تستهدف مسؤولين إيرانيين رفيعين في سورية، وفي الخلفية سبب آخر متراكم منذ 7 أكتوبر الماضي، بعد أن رفض الرئيس السوري بشار الأسد فتح جبهة سورية في وجه إسرائيل وتسليمها إلى إيران وحلفائها.
وشهد اجتماع للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عُقد بشكل طارئ أمس الأول برئاسة الرئيس إبراهيم رئيسي لبحث الضربة على حي المزة في العاصمة السورية، انتقادات قاسية ومباشرة لسورية وروسيا، خصوصاً من قبل مندوبي الحرس الثوري، حسبما كشف مصدر مطلع في المجلس لـ «الجريدة».
وفي الاجتماع تحدّث ممثلو «الحرس الثوري» عن وجود اختراقات أمنية كبيرة في صفوف الأجهزة الأمنية السورية من قبل إسرائيل، وأشاروا إلى أن حصول تل أبيب على معلومات دقيقة عن تحرّكات قادة «الحرس» في سورية، يوحي بأن تسرّب هذه المعلومات ليس تصرفاً فردياً من قبل أشخاص مخترقين من الاستخبارات الإسرائيلية، بل هو ناتج عن تواطؤ سوري ـ روسي، هدفه إضعاف وتحجيم «الحرس الثوري» لإخراجه من سورية.
ووفق المصدر، استعرض مندوبو «الحرس»، خلال الاجتماع، معلومات أمنية حول معرفة الروس المسبقة بتحركات الإسرائيليين، وعدم إبلاغهم الجانب الإيراني، كما يجري عادة عند استهداف شحنات الأسلحة، وكذلك عدم تصدّي الدفاعات الجوية التابعة للجيشين الروسي والسوري للهجوم الصاروخي، علماً بأن المبنى الذي قُتل فيه القياديون الإيرانيون يقع بمنطقة أمنية في حي المزة.
في المقابل، انتقد ممثلو الحكومة الحرس بسبب تنظيمه اجتماعاً لهذا العدد من المسؤولين في مبنى معلوم للجميع أنه بتصرّف الإيرانيين، وذلك في ظل الأوضاع الأمنية بالمنطقة، خصوصاً بعد اغتيال القيادي في «حماس» صالح العاروري في مكتبه بالضاحية الجنوبية في بيروت، واغتيال القيادي الرفيع في «الحرس» رضي الموسوي في حي السيدة زينب بدمشق.
وكشف المصدر أن رئيسي أبلغ المجتمعين بإجرائه اتصالاً غير معلن بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للاحتجاج على فشل الجيش الروسي في تأمين أجواء دمشق، ورفضه أن تستخدم القوات الإيرانية أنظمتها الدفاعية، لكنّ بوتين كرر على مسمعه ما دأب الروس على قوله منذ سنوات، وهو أن وجودهم العسكري في سورية هو لدعم الحكومة السورية، وليس للدخول في مستنقع الصراع الإسرائيلي ـ الإيراني، وأن الجيش الروسي ليس لديه تفويض لمواجهة الإسرائيليين ما لم تكن القواعد الروسية في خطر.
وشهد الاجتماع خلافاً بين رئيسي وقائد الحرس الثوري، اللواء حسين سلامي، الذي أكد أنه سيعطي الأوامر لضباط الحرس الثوري الموجودين في سورية بتعليق التعاون مع الروس حتى إشعار آخر، لكنّ الرئيس الإيراني ذكّره بأن هذا القرار يعود فقط إلى المرشد الأعلى علي خامنئي وحده اتخاذه، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، ويجب رفع الأمر له.
ووفق المصدر، فإن سلامي تعهّد بمضاعفة وجود «الحرس» في دمشق لإفشال مخطط إخراجه من سورية، وهو ما عكسته كذلك تصريحات وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، أمس، عندما شدد على أن عمل المستشارين العسكريين الإيرانيين في المنطقة سيتواصل.
إلى ذلك، كشف مصادر متابعة في بيروت أن طهران مستاءة من سلوك الرئيس السوري بشار الأسد منذ بداية الحرب على غزة، مضيفة أنه في الأيام الأولى، وبعد التهديدات الإسرائيلية والأميركية الواضحة لدمشق، والتهديد بإسقاط النظام السوري في حال انخرط بهذه المعركة، حصلت مفاوضات كثيفة بين النظام والإسرائيليين عبر روسيا، التي سعت إلى تجنيبه هذه الحرب.
وقدّم النظام السوري التزامات بعدم فتح الجبهة، وعدم ترك الإيرانيين يخوضون معارك واسعة انطلاقاً من الجنوب السوري، وهذه الالتزامات تم تقديمها بوساطة الروس، كما أن الأميركيين شكّلوا عنصر ضغط في سبيل ذلك.
في المقابل، طالب النظام الإسرائيليين - عبر الروس - بوقف استهداف المطارات، ولا سيما مطارَي حلب ودمشق.
وبحسب هذه المصادر، فإن أحد عناصر أزمة الثقة بين دمشق وطهران، هو أن الأسد يرفض السلوك الإيراني في الاستحواذ على كل شيء بسورية، إضافة إلى الضغوط الإيرانية المستمرة عليه لسداد الديون الواجبة عليه نتيجة وقوف طهران إلى جانبه عسكرياً وسياسياً، فيما لا تبدو دمشق قادرة على سداد هذه الديون إلّا بالمزيد من الاتفاقيات الاستراتيجية البعيدة الأجل مع طهران، ومنحها استثمارات أساسية.
عنصر آخر من عناصر الثقة المفقودة ترجم في التغييرات الأمنية التي أجرتها دمشق قبل أيام، والتي شملت إزاحة علي مملوك من رئاسة مكتب الأمن القومي، وتعيين اللواء كفاح ملحم، المقرّب من الروس، مكانه، إضافة إلى تعيينات أخرى، في خطوة وصفها مراقبون بأنها «إعادة هيكلة» للأجهزة الأمنية تحت إشراف روسي.