يقال إن الاستراتيجيات لا يمكن رسمها من دون تحديد الأهداف، ويقال أيضاً إن الأهداف جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية... فأيهما يأتي أولاً، الاستراتيجية أم الهدف؟ الدجاجة أم البيضة؟
الأهم من مرحلة «من يأتي أولاً»، مرحلة التقييم والقياس، أي تقييم الأداء السابق، حتى إن تغيرت الوجوه، ثم قياس مدى تطابق الأهداف مع السياسة العامة، أقول ذلك بعد ملاحظتي عودة أغلب المسؤولين للمربع الأول فور تقلدهم مناصبهم، وبالتالي الانطلاق من المرحلة الصفرية، وإظهارعلامات التعجب أمام الخلل وكأنهم يرون المشهد للمرة الأولى... باعتقادي تقييم المرحلة السابقة ضروري للانطلاق إلى الأمام وعدم تكرار الأخطاء ذاتها.
وهناك حقيقة يجب ألا تغيب، وهي رعاية الدولة في السابق لدراسات وأوراق عمل بالإضافة إلى المجهود الشخصي الذي قام به العديد من الباحثين والكتّاب لتقييم المرحلة، ووضع خطط وتوصيات ومؤشرات كمحركات لإيجاد حلول لقضايا مستقبلية، تلك الدراسات متوافرة ومن الممكن الاستعانة بها كجزء لا يتجزأ من الخريطة التنفيذية التفصيلية لكل مؤسسة. ومن تلك المؤشرات على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً- التعداد السكاني:
فلطالما انطلقت التحذيرات من تزايد أعداد المقيمين والعمالة غير المتعلمة التي تشكل عبئاً مادياً ومعنوياً على النسيج الاجتماعي، بالإضافة الى الهوية الوطنية التي تتأثر بشكل مباشر من الخلل في التركيبة السكانية.
وهنا نتساءل: هل هناك نية لإعادة تصميم سياسة التوطين وإحلال العمالة المحلية محل العمالة الوافدة، ووضع حد لوظائف العمالة غير المتعلمة عبر الاستعانة بالتكنولوجيا؟ وماذا عن المعدل السلبي في ازدياد عدد السكان المحليين؟
ثانياً- سوق العمل:
وسط تخبط القرار الخاص بالسياسات الوظيفية واختناق مؤسسات القطاع الخاص نتيجة لتراجع النمو الاقتصادي، عادت الوظيفة أو بالأحرى بيئة العمل الحكومي لتبدو جاذبة أمام الخريجين، لما لها من عنصر الأمان في الاستمرار بالعمل بغض النظر عن الإنتاجية، وإجازات سخية، وعدد متواضع من ساعات العمل، أضف إلى ذلك صناعة «الكوادر اللامعة» للقياديين في بعض الوزارات لا يمكن للقطاع الخاص منافستها... وللحديث بقية.
كلمة أخيرة: تصاعدت مؤخراً أصوات متذمرة من تراجع مؤشرات الثقافة عبر تجاهل المثقفين وجمعيات النفع العام والمبادرات الثقافية التي كانت الدولة سباقة في رعايتها، وانحسار الوجوه والشخصيات الثقافية، والاستبدال بها أشخاصاً لا ناقة لهم فيها ولا بعير، وتراجع أيضا اجتذاب الدولة للكفاءات وأهل الموهبة، فما العمل؟