هدم الثوابت الوطنية، بل حتى الدستورية، هو ما يجْمع فئة من السياسيين التائهين، الذين اجتمعت تفاهماتهم على تقويض ثوابت وطنية وتراثية راسخة، فهم إما غرباء عنها، أو انتقلوا إلى مرحلة «الاستغراب» عنها.
منطقهم ينطلق من اعتبارات مصلحية لقصر نظر، أو سذاجة مندفعة بشعارات زائفة لا وجود لها واقعياً، وفي الحالتين صرنا أمام طبقة من «المستغربين»، الذين يعيشون حالة انفصام عن ثوابت وطنية راسخة، كان عليهم الانحياز لها، بدلاً من التدافع لحالة «الاغتراب».
وتجدهم مكوّناً، أساسه شتات من الشخصيات والتوجهات والمؤهلات، لكنهم قبلوا أو خضعوا لحالة «الاغتراب»، بتأثير «الغرباء» وهيمنتهم، الساعية لهدم ثوابت الوطن، سياسياً واجتماعياً، وقيمه وعاداته وتراثه حتى سلوكياته، فهو تمرد حقيقي ومدروس على «الهوية الوطنية وثوابتها».
فظهرت لدينا، بشكل مرعب، طبقة «المستغربين»، وفيهم من أبناء الأسرة الحاكمة، وأبناء أسر كويتية كريمة، ومن كابد أجداده وربما آباؤه لصون الثوابت الوطنية والحفاظ على الهوية الوطنية الكويتية، وتعزيز ذاتيتها، والتي تجسدت ببناء الأسوار واحداً تلو الآخر، تزامناً مع الانفتاح والتسامح والسفر والغوص والتعليم ومكابدة الأزمات والكوارث، على مدى قرنين من الزمان، والتي كادت تنهي الكويت وأهلها وجوداً وتراثاً، لكن تم تخطي كل ذلك، بفضل الله.
فالغرباء والمستغربون فئة من السياسيين المحدثين، تفاهماتهم كانت لتقويض ثوابتنا الوطنية، استجابة لمؤثرات المكون الاجتماعي الجديد الذي تسلل للوطن في لحظات غفلة أو تهاون أو أنانية خاطئة، ظناً أن خلق طبقة اجتماعية جديدة يسهل التحكم فيها، وتمكّن المكون الاجتماعي الجديد من الانتقال للمكون السياسي، وهو ما أتاح له مكنة أن تتسلل ثقافته وقيمه وسلوكياته المناوئة للثوابت الوطنية، بل حتى الدستورية، فهذه ثقافة وغايات «الغرباء» «والمستغربين».
وقد بدأت هذه الثقافة تنكشف وتتفاقم، وهو ما أدى إلى نشأة حركة تلقائية واسعة شعبية ورسمية، لاستعادة ثوابت الوطن وتخليصه من ثقافة الغرباء ومحاولتها إحداث التغيير القسري من مداخل متعددة.
وما نراه اليوم من حالة الضبابية في المسار العام للدولة، وتشجيع قيم ثقافة القبيلة وثقافة الطائفة وثقافة تفتيت وشرذمة المجتمع، هو مسلك مقصود لإضعاف البناء الاجتماعي والسياسي الذي حفظ للكويت كيانها، لثلاثة قرون، لنجد أن سياسة الاغتراب سعت وتسعى لخلخلة المكوّن الأساسي للمجتمع، حتى تتغلغل بين صفوفه، وهو ما تم، ثم تحاول أن تلغيه وتحل محله، وهي المرحلة التي وصل إليها الغرباء والمستغربون.
فالعمل والوظيفة هما مسؤولية وطنية، تحوّلا، تحايلاً، لتسلم مرتب غير مشروع، والدراسة كانت علماً وثقافة، وتحوّلت لأوراق وشهادات بل وتزوير، والصحة كانت تطبباً حضارياً، فغدت مرتعاً للفساد والعلاج السياحي، والإعلام كان منبراً للتوعية والتنوير، فتحوّل إلى منصات للفتنة والتهويل والتطبيل.
والتعليم والجامعة كانا منارة للفكر والارتقاء، فصارا موطناً للصراع وتزييف الأبحاث، وتحول العلماء لأُجراء، وصار الغش نمط ثقافة الغرباء والمستغربين.
والوطنية بعد أن كانت ولاء وانتماء صارت رداءً للحصول على الجنسية ومنافعها، وتُباع في أول مزاد، وظهرت ولاءات تفتت البلد، وتبدلت قيم التسامح والأمانة والتواصل والجرأة الصادقة لتزلّف ومحسوبية، وظهر العنف والسباب والانتهازية للانقضاض على مقدرات البلد.
والدستور والنظام البرلماني هو المرجعية لتطوير المجتمع ومؤسساته بقيم الحوار والاختلاف، فصار المقعد النيابي مصدراً للتكسب والفساد والإفساد وهدم المؤسسات، مع انهيار إفراغ الديموقراطية وانتهاك الدستور.
ماذا أعدد في كل الجوانب، الثقافة أو الرياضة أو الأدب أو مؤسسات المجتمع المدني، أو العمل التعاوني، والتي لحقت بها جميعاً الانتكاسة ذاتها، لكونهم غرباء عنها أو تحولوا للاغتراب «فضيّعوا الهوية الوطنية بهرولة لاقتسام البلد وتفكيكه، فحلّت الفوضى والتسلل المشبوه، وصارا مصدراً للمروق عن الثوابت الوطنية؟
ومن أوجد الغرباء أو المستغربين هو العبث بالتجنيس عشوائياً أو سياسياً، أو تزوير الجنسية وازدواجها وصيرورتها سلعة للابتزاز والمساومة، حتى صار المجنسون والمشبوهون والمزورون والمزدوجون ظاهرة منتشرة، فضاع أمن البلد واستقراره وقيمه.
إن سبيل الخروج هو غربلة هذا الملف بالكامل، بإنشاء الهيئة العامة للجنسية، وإعادة التوازن الحازم بين السلطات كما رسمها الدستور!