«ذاكرة الزيتون والزعتر» هوية ثقافية تواجه السرقة التاريخية
سوسن دعنا كشفت عن مقاومة المطبخ الفلسطيني لاحتلال التراث
على مدار ساعة كاملة، تحدَّثت الشيف سوسن دعنا عن ثقافة وهوية المطبخ الفلسطيني في ندوة بعنوان «ذاكرة الزيتون والزعتر»، بحضور جماهيري كبير اكتظ به مسرح منصة الفن المعاصر (كاب) من جميع الجنسيات، ضمن فعاليات برنامج مكتبة تكوين الثقافي لشهر يناير، والذي يقدم محاضرات تحت شعار «سقط القناع عن القناع»، بهدف مقاطعة الكيان الصهيوني، بالتعاون مع حركة BDS حرية عدالة ومساواة. وفي الختام تم تقديم مجموعة من أشهر الأكلات الفلسطينية التي تطرقت لها الندوة.
وأشارت دعنا خلال الندوة إلى ثقافة الشعب الفلسطيني وتاريخه، والذي يظهر بقوة في مطبخه، «الزيتون رمز للصمود والسلام، فشجرة الزيتون معمرة، ولها القدرة على مواجهة كل الظروف البيئية القاسية، لذلك تحمَّلت معاناة الشعب الفلسطيني، اقتصادياً وسياسياً وبيئياً، في ظل قيام قوات الاحتلال الصهيوني باقتلاع شجر الزيتون للتضييق على الفلسطينيين، الذين يعتبرونه ثاني مصدر للرزق والتصدير، سواء كزيوت، أو في حالته الطبيعية. فضلاً عن ذلك، فقد ارتبط زيت الزيتون بالطبق الأشهر في المطبخ الفلسطيني، وهو المسخن، الذي يُعد مكوناً أساسياً من مكوناته».
الذهب الأخضر
وأضافت: «الزعتر يُعد رائحة البلد، لأنها نبتة كريمة ومعطاءة، ومعمرة أيضاً، حتى إنها قضت على البطالة في فلسطين، وتعتبر الذهب الفلسطيني الأخضر، لذلك تعمَّد المحتل الإسرائيلي مكافحة هذه النبتة، وجرَّم قطفها، حتى تم تسجيل أكثر من 40 قضية ضد فلسطينيين وفلسطينيات يزرعون الزعتر، بتهمة حيازة هذه النبتة، التي تُعد مصدر رزقهم وغذائهم، في محاولة من الصهاينة لتفكيك العلاقة بين الفلسطيني وأرضه، حيث يعتبر الزعتر رمزاً وطنياً، فحاول الاحتلال سرقة هذه الهوية التراثية القديمة المرتبطة بأرض الشام وفلسطين، ولصقها بنفسه، وترويجها على أنها نبتة إسرائيلية».
وأوضحت دعنا أن «المطبخ وأطبقانا تمثل تراكماً حضارياً، وذاكرة شعب، وإرثاً ثقافياً تاريخياً وجغرافياً، حيث يعكس تاريخياً جذور أهل الأرض الأصليين، والعصور والحكام الذي مروا بتلك البلدان، من حملات عسكرية وهجرات واحتلال وحروب، ففلسطين مهد الديانات السماوية، وكانت على مر العصور قِبلة للعالم، وكل هذا ترك بصمته في تلك الأرض، كما تركت فلسطين، شعباً وأرضاً وتراثاً، أثراً في نفس كل من سار على أرضها، ومن هنا جاء ثراء المطبخ الفلسطيني، الذي تمتد أصوله إلى الفلسطيني الكنعاني قبل 4 آلاف عام أو أكثر حين كان الفلسطيني يستخدم في ذاك الوقت ورق الغار وحبوب البهارات والبهارات الصحيحة للغلي مع طبق اللحم لإزالة رائحتها، وإضفاء نكهة أفضل عليها، كما عرف الفلسطيني الكنعاني الكمون والكزبرة والسحاق وغيرها من البهارات المستخدمة في مطبخه.
متحف طبيعي
وذكرت دعنا أن الجغرافيا لعبت دوراً لا يقل أهمية عن دور التاريخ في المطبخ الفلسطيني، لأن البيئات المختلفة تتميز بأطباق وأكلات تنتمي لتلك البيئة، فسكان المناطق الساحلية يهتمون بأطباق البحريات والأسماك، وسكان المناطق الصحراوية لهم أطباقهم الغنية باللحوم، وغيرها من أشكال الطبيعة البيئية، لذلك فإن فلسطين، الغنية بيئياً، تنعم أيضاً بثراء جغرافي في مطبخها وأطباقها، لأن الأراضي الفلسطينية متنوعة بين ساحلية وصحراوية، وتتضمن السهول والوديان والجبال والمناطق الزراعية، حتى تُعد متحفاً طبيعياً غنياً بالثروات الطبيعية والزهور والنباتات.
نطالب بتسجيل الأكلات الفلسطينية في «يونسكو» لأن الإسرائيليين يسجلونها باسمهم
وتابعت: «المطبخ الفلسطيني يُعد أعرق المطابخ العربية، وتأثر بثقافات ثلاث، هي: العربية، والفارسية، والتركية، وانعكست عليه، وقد حقق هويته الخاصة اعتماداً على بيئته الغنية، لذلك فإن المواطن الفلسطيني لا يستخدم المعلبات أو المثلجات، لأن الأرض الفلسطينية عبارة عن بساتين غنية بالفواكه والخضراوات والأعشاب الطبيعية والطازجة، كما يتمتع بثروة كبيرة من البهارات التي يستخدمها بشكل محدد ومميز مع كل طبخ، فلا يقوم بخلط جميع البهارات مع كل الأكلات، فكل طبق له نكهته ومكوناته المختلفة، والأمر نفسه مع المناطق، ففي الخليل، مثلاً، تشتهر المقلوبة، وفي القدس المحتلة يشتهر كحك القدس بالسمسم، وفي غزة تشتهر البصارة، وغيرها الكثير من الأكلات المرتبطة بمناطق دولة فلسطين.
منظمة يونسكو
واستنكرت دعنا محاولات الصهيونية الإسرائيلية طمس كل هذا التاريخ الفلسطيني وسرقته ونهبه، وإلصاقه بالمحتل، بل وتسجيل الأكلات الفلسطينية كأطباق إسرائيلية في منظمة يونسكو، في محاولة لصنع هوية مزيفة للكيان الإسرائيلي، مضيفة: «لا توجد ديانة في العالم لها أرض محددة، فالمسلمون والمسيحيون موجودون في كل بقاع الأرض، ويعيشون جنباً إلى جنب في ذات الأرض والدولة حاملين نفس الجنسية، لكن حين حاول الكيان الصهيوني خلق أرض له من عدم ما كان أمامه سوى الدفع بكونها أرضاً يهودية، لكن اليهود جاءوا من شتى بقاع العالم، وكل منهم له هويته داخل موطنه الأصلي. وفي محاولة لخلق هوية مشتركة ومزيفة ومنهوبة حاول الاحتلال نسب الثقافة الفلسطينية لنفسه، فكما يحدث مع الأرض يحدث مع الهوية والتاريخ، وما نتج عن ذلك، حتى من مطبخ وطبق فلسطيني حاملاً هوية وتاريخ أبناء هذه الأرض وذكريات أجدادهم منذ آلاف السنين».
وضربت دعنا خلال الندوة مثالاً على ذلك ببرتقال يافا، الذي يُعد من أجود أنواع البرتقال على مستوى العالم، والذي قامت قوات الاحتلال بالاستيلاء عليه ومنع المزارعين من زراعته، بل قام المحتل الغاشم بتصديره إلى الخارج تحت اسمه، مشيرة في هذا الصدد إلى كتاب «أرض البرتقال الحزين» لكاتبه غسان كنفاني، وكيف أن البرتقال تبدَّل حينما تبدَّلت الأيدي التي تسقيه، وكيف حزن على شعبه وأرضه وخيراته المغتصبة، حيث قام المحتل الإسرائيلي بمحاربة أهم النباتات والأعشاب الفلسطينية، كالزعتر والزيتون والبرتقال والكزبرة، لمحاربة التراث الشعبي والاستيلاء على أهم وأكبر موارد الشعب الفلسطيني، وتم في المقابل فرض إجراءات عقابية، وإطلاق نار على المزارعين، ومصادرة محاصيلهم وأراضيهم، وفرض غرامات مالية باهظة، بذريعة حماية الطبيعة والمحافظة على البيئة، ثم يعاود الاحتلال زراعتها بنفسه، وتسجيلها باسمه، وتصديرها للخارج تحت علامته التجارية.
وطالبت دعنا في نهاية الندوة كل عربي وفلسطيني بالدفاع عن تراثه، وتسجيل أطباقه في «يونسكو»، بعدما سجَّل الإسرائيليون الأكلات الفلسطينية باسمهم، في محاولة لتهويدها، بل قاموا أيضاً بفتح مطاعم إسرائيلية في أوروبا تقدم الأكلات الفلسطينية والشامية على أنها تراث إسرائيلي، في محاولة لتزييف الواقع، وطمس التاريخ الكامن والباقي في فلسطين منذ آلاف السنين. كما طالبت الجميع بالحديث مع أبنائهم عن فلسطين وقضيتها العالقة في القلوب، مؤكدة أن الأجيال الجديدة أكثر إيماناً بالقضية وانتماءً لفلسطين والتاريخ والوطن، وهو ما يبشر بمستقبل أفضل واستقلال ونصر قريب.