مرافعة: تقييد حق التقاضي في الطعون الدستورية
يثير التعديل التشريعي الذي أصدره مجلس الأمة أخيراً على قانون إنشاء المحكمة الدستورية شبهات حول سلامة النص المقرر لاختصاص المحكمة الوقتي لنظر الطعون المقامة على سلامة مراسيم الحل ومراسيم الدعوة إلى انتخابات مجلس الأمة خلال الفترة التي تسبق العملية الانتخابية.
ومثل هذا التعديل يفضي إلى نظر المحكمة لتلك الطعون خلال 10 أيام وقبل إجراء الانتخابات العامة، مما يعني عملياً تحصين مراسيم الحل والدعوة إلى الانتخابات التي لم يتم الطعن عليها خلال تلك المواعيد، حتى لو ثبت عدم سلامتها، أو شابتها شائبة دستورية.
ومثل ذلك التحصين لمراسيم الحل والدعوة إلى الانتخابات مُتصور، خاصة أن الطعن عليها بات مكلفاً مالياً وفنياً، ولا يجوز الإقدام عليه ما لم يتم تحقيق الضوابط التي قررها المشرّع في تعديله على قانون إنشاء المحكمة الدستورية عام 2014 عند نصه على أحكام الطعن الأصلي والمباشر.
ولذلك، فإن التعديل الأخير على قانون المحكمة الدستورية لم يُعطِ لكل ذي مصلحة الطعن على مراسيم الدعوة والحل كما كان معهوداً للأفراد أمام المحكمة الدستورية قبل هذا التعديل، وإنما قيّدهم إذا ما رغبوا بالطعن أن يرفعوا دعوى أصلية مباشرة أمام المحكمة الدستورية، وهو ما ينبغي عليهم عند رفع الطعن المباشر والأصلي توقيع الطعن من 3 محامين مقيدين أمام المحكمة الدستورية، وأن يقوموا بسداد كفالة مالية قدرها خمسة آلاف دينار، وأن يعرض الطعن على المحكمة بغرفة مشورة، للتأكد من توافر الشروط الشكلية في الطعن المقام إلى المحكمة، وفي حالة تثبّتها من ذلك، فإنها ستقوم بإحالة الطعن إلى المحكمة لنظره موضوعاً.
ويعكس التعديل التشريعي توجّس المشرع، ممثلاً بمجلس الأمة، حالة الهلع من البطلان، نتيجة لخلاف مراسيم الحل والدعوة إلى الانتخابات للاشتراطات التي نصّ عليها الدستور، مما دعاه إلى التشدد في قبول هذا النوع من الطعون إلى درجة ربطه بكلفة مالية كبيرة، رغم كونه طعناً انتخابياً، وألزام المحكمة بالفصل فيه خلال 10 أيام.
ومثل هذا التعديل، ووفق ما يتضمنه من تحصين يثير شبهة عدم الدستورية لمخالفته نص المادتين 50 و166 من الدستور، والتي تؤكد الفصل بين السلطات، فضلاً عن كفالتها حق الأفراد بالتقاضي، وذلك لأن مثل هذا التعديل يحظر على القضاء مراقبة القرارات المتصلة بسلامة العملية الانتخابية خلال ميعاد محدد، وبعد سدادهم كفالة مالية كبيرة، فضلاً عن أنه يمنع المحكمة من نظرها للطعون المتصلة ببطلان العضوية أو الانتخاب، إن صاحبتها أسباب أخرى متصلة بعدم سلامة مراسيم الحل أو الدعوة إلى الانتخاب أو عدم الدستورية، لمجرد كونها متصلة بالإجراءات الممهدة للعملية الانتخابية.
ولذلك، فإن التعديل التشريعي، وعلى الرغم مما يحمله من مقاصد تهدف إلى نجاح العملية الانتخابية، فإنّه يتضمن تقييدا لحق القضاء في الرقابة على الإجراءات الممهدة، وقيّد حق الأفراد باللجوء إلى القضاء لممارستها.