في حكم قضائي بارز، أكدت محكمة التمييز التجارية برئاسة المستشار خالد المزيني، أن البطلان الناشئ عن عدم تصديق الجمعية العمومية على مستحقات رئيس مجلس الإدارة لا يترتب عليه بطلان عقد العمل وانعدامه برمته، ولا يعني حرمانه من الحصول على أجر على الإطلاق.
وأضافت «التمييز»، في حيثيات حكمها، أن الأجر مقابل العمل. وأن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى باعتباره عنصرا من عناصر الإثبات.
وكانت محكمة أول درجة ومن بعدها «الاستئناف» انتهت إلى إلزام رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية الكويتية السابق يوسف الجاسم بمستحقات لمصلحة الشركة تحصل عليها كأجور غير مستحقة، إلا أن «التمييز» رفضت الدعوى المقامة من «الخطوط الكويتية» لعدم سلامتها في المطالبة بالمبالغ المدعى بها ضد الجاسم.
الفساد في الاستدلال
وقالت «التمييز» في حيثيات حكمها، ان ما ينعاه المستأنف على الحكم المستأنف من الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق بأن قضى باعتبار القضاء العادي هو صاحب الولاية بالمنازعة لوصفه المقابل الذي يحصل عليه المستأنف بأنه مكافأة وتكييفه لقرار وزير المالية بتحديد المقابل المالي بأنه من أعمال الإدارة وليس قرارا إداريا ومن ثم عدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظر الدعوى.
الولاية العامة
وبينت أن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المقرر أن القضاء العادي هـو صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات المدنية والتجارية تقيد هذه الولاية استثناء كما أن «الخطوط الكويتية» بدأت نشاطها بوصفها شركة من الشركات المساهمة وشخصاً من اشخاص القانون الخاص، عملها ذو طابع تجاري، ثم تجمعت ملكية أسهمها في يد الدولة واعتبرت مؤسسـة من المؤسسات العامة بأن صدر لها القانون رقم 19 لسنة 1963 باعتماد ميزانيتها ضمن ميزانية الدولة، ولأنها مشروع تجاري لا يمكن التنبؤ سلفاً بإيراداته ومصروفاته السنوية لأنها تقوم أساساً على الحدس والتخمين وغالباً ما يخيب هذا التقرير أمام تقلبات السوق ومخبئات المستقبل، ولتعارض هذا الخضوع المطلق مع المرونة اللازمة لتمكين المؤسسة في كل وقت من مواجهة المنافسة الشديدة من جانب الخطوط الجوية الأخرى، وتمكيناً لها من تحقيق أغراضها صدر القانون رقم 21 لسنة 1965 بتحريرها من الخضوع لميزانية الدولة والإبقاء عليها كمؤسسة عامة مع احتفاظها بأسلوبها التجاري التي كانت عليه.
وأضافت أنه بعد ذلك صدر القانون رقم 6 لسنة 2008 بتحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية إلى شركة مساهمة إلا أنه علق ذلك على تقييم جميع أصول وخصوم المؤسسة، وتم تأسيس شركة مساهمة ونقل جميع الأموال والخصوم إليها، وقد انطوى ذلك على إطالة وصعوبات في الإجراءات فما كان من المشرع إلا ان أصدر القانون رقم 22 لسنة 2012 بتعديل أحكام القانون رقم 6 لسنة 2008 المشار اليه، وذلك بتحويل المؤسسة إلى شركة مساهمة باسم «شركة الخطوط الجوية الكويتية - وأيلولة جميع الأصول المادية والمعنوية والخصوم إليها على النحو الذي ورد بنصوص هذا القانون، والذي نص على ترتيب أوضاعها وفقاً لأحكام قانون الشركات التجارية رقم 15 لسنة 1960 وعلى العمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وقد نشر في 21/10/2012، ومن ثم فقد باتت مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية منذ هذا التاريخ شخصا من أشخاص القانون الخاص.
ومن ثم فإن المنازعة موضوع الدعوى المطروحة تخرج عن اختصاص الدائرة الإدارية وينعقد لهذه المحكمة ويضحى الدفع في غير محله، ويتعين رفض هذا الاستئناف.
القواعد العامة
وعن موضوع الاستئناف قالت المحكمة إنه ولئن كان من المقرر وفقاً للقواعد العامة التي تحكم العقد أن أثر البطلان سواء ذلك المطلق أو النسبي يسري على الماضي فيعاد المتعاقدون إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد إذ إن زوال العقد يؤدي إلى زوال كل ما تولد عنه من آثار قانونية إلا أن تطبيق هذه القواعد على علاقة العمل يؤدي إلى تصدع مراكز مستقرة وإهدار لحقوق الموظف الذي تعامل مع الشركة، والذي تعتبر حقوقه من النظام العام، الأمر الذي تتأذى منه العدالة ويتجافى فكرة حماية القانون للظاهر ومنطق الأمور، وبالتالي فإن البطلان الناشئ عن عدم تصديق الجمعية العمومية على مستحقات رئيس مجلس الإدارة لا يترتب عليه بطلان عقد العمل وانعدامه برمته ولا يعني حرمانه من الحصول على أجر على الإطلاق.
كما أنه من المقرر أن الأجر مقابل العمل. وأن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى باعتباره عنصرا من عناصر الإثبات متى اطمأنت إليه، واقتنعت بصحة أسبابه.
تقرير الخبير
وأشارت إلى أنه لما كان المستأنف قد طلب استئنافه الراهن ندب خبير لتقدير أجره عن الفترة من 1/4/2018 حتى 30/6/2020 والحكم بما يسفر عنه تقرير الخبير، وكانت المحكمة تكيف هذا الطلب على أنه طلب تقدير أجر المستأنف مقابل عمله خلال المدة المطالب بها، وكان الثابت أن تلك المدة عبارة عن فترتين، الأولى من عمل المستأنف بالشركة خلال عام 2018، وفي هذا العام لا خلاف بين الطرفين على أن الجمعية العمومية للشركة المستأنف ضده الأولى قد اعتمدت المستحقات المالية عن هذا العام، وعليه فإن حق المستأنف في تقاضي مستحقاته المالية عن هذا العام يكون قد تم وفق صحيح القانون وتضحى منازعة الشركة المستأنف ضدها في هذا الشأن على غير سند من الواقع والقانون متعينـاً رفضها.
وتابعت، أمـا عـن المستحقات محل النزاع عن سنتي 2019 (حتى 30/6/2020) فإنه لما كان الثابت من تقرير الخبير أن المستأنف قد باشر عمله بالشركة المستأنف ضدها خلال تلك الفترة، وأن مستحقاته المالية التي حصل عليها خلال تلك الفترة ما هي إلا راتبه الشهري دون أي مكافآت أخرى، وهي عبارة عن مكافأة أعضاء مجلس الإدارة وفقاً لقانون الشركات حسب إقرار وكيل الشركة المستأنف ضدها بمحاضر أعمال الخبير - وكان قرار الجمعية العمومية للشركة المستأنف ضدها بالتحفظ على البند الخاص بهذه المستحقات أو عدم الموافقة عليها قد خلا من ذكر أسباب لذلك وهو ما يوصم هذه القرارات بعيب إساءة استعمال السلطة، وكانت هذه القرارات قد يترتب عليها أن المستأنف يحرم من أجره عن الفترة محل النزاع رغم أدائه لعمله خلالها، وهو ما يعد إثراء للشركة المستأنف ضدها على حساب المستأنف دون وجه حق وهو ما لا يستقيم مع العدالة.