يمكن تسمية 2023 بعام رفع الفائدة، مع قيام البنوك المركزية الرئيسية حول العالم بسلسلة من زيادة تكاليف الاقتراض المتتالية، سعيا منها لكبح جماح التضخم المرتفع.
ولكن على النقيض، من المحتمل أن تبدأ تلك البنوك خفض الفائدة هذا العام، وبالفعل تحدث العديد من المسؤولين عن ذلك في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في دافوس الأسبوع الماضي، وأعرب العديد منهم عن تفضيلهم للانتظار والتحرك ببطء، بدلا من تغيير مسارهم.
على سبيل المثال، ذكر كريستوفر والر، المسؤول لدى «الاحتياطي الفدرالي» أن الأمر الرئيسي هو أن أداء الاقتصاد الأميركي جيد، ما يمنحهم المرونة للتحرك بحذر، وأشار إلى أن خفض الفائدة أمر محتمل هذا العام، لكن يمكن للبنك المركزي أن يأخذ وقته في تخفيف السياسة النقدية، مضيفا: «عندما يحين الوقت المناسب لبدء خفض الفائدة أعتقد أنه يمكن ويجب خفضها بشكل منهجي وبعناية».
في حين صرحت كريستين لاجارد، رئيسة المركزي الأوروبي، بأن خفض الفائدة في وقت مبكر جدا قد يهدد تقدم أوروبا في مكافحة التضخم الذي عصف بالاقتصاد، مؤكدة نية البنك في الحفاظ على الفائدة مرتفعة ما دام ذلك ضروريا حتى تتضح عودة التضخم لمستهدفه البالغ2%.
الاحتياطي الفدرالي
يعتبر «المركزي الأميركي» في أفضل وضع قبيل قرار الفائدة المرتقب في 31 يناير الجاري، نظرا لاعتدال التضخم دون حدوث تراجع اقتصادي. وينصب تركيز الأسواق في هذا الاجتماع على الوصول إلى علامات من لجنة السوق الفدرالية المفتوحة حول السرعة وعدد مرات خفض الفائدة المتوقعة هذا العام.
وتتوقع الأسواق المالية أن يكون أول خفض للفائدة في مارس، ثم يتبعه إجراء خمسة تخفيضات أخرى خلال العام. وحسب أداة «سي إم إي فيدواتش» فإن توقعات السوق بخفض الفائدة في 20 مارس تقل عن50%، بينما تشير التوقعات الاقتصادية للجنة السوق الفدرالية المفتوحة الصادرة في ديسمبر إلى خفض الفائدة ثلاث مرات فقط بمقدار ربع نقطة مئوية في كل مرة.
وتكمن المشكلة الأساسية في أن مسؤولي البنك يرغبون في توافر دليل على ما إذا كان عليهم خفض الفائدة سريعا، وهذا يتطلب تراجع التضخم بصورة أسرع ومستدامة عن المتوقع أو صدور بعض الأنباء السيئة عن سوق العمل.
«المركزي» الأوروبي
وعلى الرغم من أن لاجارد قالت إنها ترغب في تجنب خفض الفائدة في وقت مبكر جدا، فإنها ذكرت أيضا أنه من المنطقي التفكير في تقليص البنك للفائدة بحلول الصيف في حال لم تحدث صدمة تضخمية إضافية، وذلك على النقيض من تصريحاتها السابقة بأنه من المبكر للغاية حتى الحديث عن خفض الفائدة، لذلك فإن هذا التحول يشير إلى تغير أولويات السياسة النقدية في فرانكفورت.
ويرجع السبب الرئيسي وراء تأخير خفض الفائدة إلى منح البنك وقتا للحصول على دليل كاف على أن نمو الأجور المرتفع لا يشكل تهديدا مستمرا للتضخم، ومن المحتمل أن يختار «المركزي» الأوروبي الانتظار، ولكن ضعف الرؤية الاقتصادية سوف يدفعه للتحرك في وقت أبكر خاصة إذا تزامن ذلك مع المزيد من الأنباء الجيدة بشأن التضخم.
بنك إنكلترا
وتكمن المهمة الأكبر أمام بنك إنكلترا قبل اجتماعه المقرر في أول فبراير، لأن البنك بحاجة إلى رواية اقتصادية جديدة مصاحبة لتوقعاته المحدثة.
ومع وصول التضخم في الربع الرابع من العام الماضي إلى مستوى أقل كثيرا من المتوقع، فمن المحتمل الوصول إلى المستهدف البالغ2% في أبريل أو ربما مايو، بينما توقع البنك في نوفمبر الوصول لذلك المستوى بنهاية 2025 فقط، ويتوقع السوق خفض الفائدة أربع مرات هذا العام كل منها بمقدار ربع نقطة مئوية، مع ثلاثة تخفيضات إضافية في 2025.
بنك اليابان
ويسلك بنك اليابان مسارا مختلفا عن أكبر البنوك المركزية حول العالم، لأنه يدرس رفع الفائدة وليس خفضها، كما أنه أنهى أول اجتماعاته لهذا العام دون تغيير في السياسة النقدية، وثبت البنك الفائدة عند مستوى -0.1%، كما أنه لم يقدم أية إشارات على إنهاء سياسة أسعار الفائدة السالبة، وأبقى على ضوابط منحنى عائد السندات دون تغيير.
ويرجع السبب الرئيسي وراء توخي البنك الحذر إلى بيانات التضخم ونمو الأجور التي جاءت أضعف من المتوقع، ما أثار شكوكا حول قدرة البنك المركزي على الوصول إلى مستهدفه البالغ2% بصورة مستدامة، لكن لا يزال البنك واثقا من أنه بعدما أدى ضعف أسعار الطاقة إلى خفض التضخم في العام المالي 2024، ستحدث دورة أقوى بين الأجور والأسعار، تؤكد أن التضخم سيستقر قرب المستهدف بدلاً من التراجع أدناه، ولا يزال من المتوقع رفع الفائدة إلى0% في أبريل، ولكن يعتمد ذلك بصورة كبيرة على بيانات الأجور التي تصدر في الأشهر المقبلة.