استمرت جائحة كورونا (كوفيد 19) في نشر فيروساتها لأكثر من سنتين، تبين للعالم خلالها أهمية التخصصات الطبية بعد أن واجهت المراكز الصحية نقصاً حاداً في الأطباء والممرضين بمختلف دول العالم، بسبب مواصلة المستشفيات والمراكز الصحية أعمالها العلاجية في مواجهة هذا الفيروس القاتل وعلاج الأعداد الكبيرة من المصابين به، حينها كانت الكوادر الطبية تعمل في الصفوف الأولى، فكثر عدد ضحايا كورونا بين الأطباء بشكل ملحوظ، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار قربهم من مرضى كورونا والإعياء الشديد الذي أصابهم نتيجة عملهم المتواصل على مدار الساعة، لدرجة أن الكويت اعتمدت في تعويض النقص في الكادر الطبي على أطباء من كوبا وباكستان وغيرهما من الدول التي لم تتأثر كثيراً بالجائحة.
خلال الشهور الأولى من انتشار فيروس كورونا في الكويت نمى إلى علمي أن ستة أطباء من فئة المقيمين بصورة غير قانونية (البدون)، كانوا قد تقدموا من وزارة الصحة للتطوع من أجل العمل في الصفوف الأمامية بلا مقابل، لرد جميل صنع دولة الكويت التي ولدوا على أرضها ودرسوا في مدارسها وصرفت عليهم الدولة ملايين الدنانير حتى تخرجوا من كليات الطب أطباء «قد الدنيا» بتخصصات متنوعة، لكنهم لم يحصلوا على أي وظيفة تناسب تخصصاتهم، بسبب مشكلتهم الأزلية مع وثيقة الجنسية الكويتية، فقبلت بهم وزارة الصحة ووزعتهم على المراكز الصحية التي كانت تستقبل وتعالج ضحايا كورونا.
كانت وزارة الصحة تحول كعادتها رواتب منتسبيها من الكادر الطبي في الصفوف الأمامية بمواجهة فيروس كورونا، فتقدم هؤلاء الأطباء الستة لشؤون العاملين في الوزارة طالبين منحهم ولو راتبا واحدا مقابل شهور من العمل المضني في مراكز كورونا، وللأسف لم تلب الوزارة طلبهم، مدعية أنهم متطوعون وليسوا مسجلين على بند الرواتب ولا يحملون الجنسية الكويتية.
يقال إن سفارة المملكة المتحدة لدى دولة الكويت علمت بمشكلتهم مع وزارة الصحة، وكغيرها من دول العالم، كانت بريطانيا «العظمى» تعاني نقصاً في عدد الأطباء، فاتصلت بهم السفارة البريطانية ومنحتهم «فيزا» للدخول إلى إنكلترا وتذاكر سفر مجانية للمغادرة إلى هناك، من أجل العمل في المستشفيات البريطانية برواتب شهرية مغرية، ولا نستبعد منحهم الجنسية البريطانية التي يحلم بها كثيرون، فخسرت الكويت ملايين الدنانير في إعداد أطباء استفاد غيرها من خدماتهم الجليلة في لحظات.
الشيخ محمد صباح السالم الصباح رئيس مجلس الوزراء يعرف جيداً أهمية التخصصات النادرة بشكل عام والتخصصات الطبية بشكل خاص، ويعلم أكثر ضرورات العمل مع الكفاءات العلمية والعملية، ولأن رئيس الحكومة الكويتية الجديد درس المرحلة الجامعية والعليا في دول غربية كانت ولا تزال تضع النابغين وتخصصاتهم النادرة نصب عينيها، وتراقب تطور تحصيلهم العلمي الجامعي، والرئيس بوصباح يعد واحداً من أولئك النوابغ الذين نعتقد أن مؤسسات علمية أو اقتصادية غربية حاولت أن تجذبهم للعمل فيها بمغريات مادية يسيل لها اللعاب. واليوم انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي خبر عن الطبيب البارع حمد جبر العنزي الذي درس وتخرج من جامعة الكويت ويحمل تخصصاً نادراً، كما يحمل على كاهله مشكلة الجنسية الكويتية، لهذا أتساءل: أليس الأجدر أن يتم تجنيس الكفاءات وأصحاب التخصصات النادرة خصوصاً الأطباء والنوابغ الذين يعيشون بيننا لاحتضانهم قبل أن يختطفهم الآخرون، لا سيما فئة البدون الذين صرفت عليهم الدولة ملايين الدنانير، بدلاً من التجنيس العشوائي الذي أضاف إلى قائمة الكويتيين الجدد سائقين وطباخين وعددا كبيرا من الأميين الذين لا يعدون قيمة مضافة لأي مهنة إطلاقاً؟